الاثنين، 20 يناير 2014

يوم عمل

 
تدير محرك السيارة في صباح يوم الأحد و تبحث في الاذاعة عابثا عن شئ يزيح عنك هم مشوار ال ٣٦ دقيقة. يحاول المذيع خفيف الظل أن يلطف الجو بمفاكهة المتصلين لكنك تفقد صوابك في كل مرة و تطفئ المذياع بعصبية. في السابق كنت تئن لصوت ارتطام السيارة بالحفر التي تتسع مع الوقت و كأن في باطنها كائن يقتات على الاسفلت. أما الآن فقد اعتدت على السمفونية التي تصدر عن انكماش النوابض و قرع العجلات و التواء الأذرعة. 
 
على مدخل مقر العمل تناظرك اللوحات التحفيزية بسخرية "موظفونا هم أثمن ما نملك" و قد كتبت بلغة أجنبية لسبب ما. الطريق الأقصر لمكتبك يمر بمكتب الرئيس لكنك عندما تتذكر انك تأخرت في تسليم اقتراحات "لتطوير بيئة العمل" تقرر سلوك الطريق الأطول معلنا ابتداء لعبة القط و الفأر لهذا اليوم.

ما إن تجلس على مكتبك حتى يرن جوالك. "السواق ما جا" يقول ابنك الذي بإمكانك تمييز ابتسامته عبر سماعة الجوال و أمه تولول عليه في الخلفية. فتجيبه كاذبا "طيب الحين أشوفه" قبل أن تغلق جوالك و ترميه في الدرج. تطالع في المكتب صور من أيام قديمة و شهادات لا تدري لماذا حصلتها و مجموعة أقلام لست متأكدا أيها يعمل. كل شئ كئيب ما عدا التقويم الذي يخبرك بموعد الاجازة القادمة.
 
على شاشة الحاسب يظهر لك رقم طالما تمنيت زواله و قد حان وقت تصفيره، (62) inbox.  تقنع نفسك بأنك تحتاج للتسخين قبل الشروع في مذبحة الايميلات  فتحاول أن تقتل الساعة الأولى من العمل بقراءة الاخبار التي لا تكل عن تكرار نفسها في كل صبيحة، قُتِل و جُرح و احتج و اعتصم، و في قسم "المقالات الأكثر قراءة" فنانة تطلقت و لاعب اعتزل و في الوتساب معاجز و نكت و مقاطع لا تستطيع تشغيلها لانك نسيت سماعة الأذن مرة أخرى. بعد عشر دقائق يرن هاتف المكتب، "إبنك لم يأتِ للمدرسة اليوم" فتتذكر عدد المرات التي أقسمت فيها بأنك سترّحِل السائق، ثم تتذكر بأن السيارة في التصليح بعد ان ارتطم السائق بها بعمود الإنارة، و بأنه كان عليك إيصال ابنك المدرسة هذا الصباح فتمنيت لو أن العمود هوى على رأسه ، "آه صحيح نسيت أن اخبركم بأن ابني مريض اليوم....نعم سأحضر عذرا طبيا".
بعد أن تقضي اليوم في التردد بين آلة القهوة و مكتب زميلك المفضل ترمق الشاشة للمرة الأخيرة و في نفسك بعض من الفخر الذي ما يلبث أن يستحيل كآبة لرؤيتك الذي طبع عليها بالأزرق العريض فتغلق الجهاز و أنت تتمتم ببعض الشتائم التي تخرج من بين شفتيك ببلادة و عبثية.(70) inbox

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق