السبت، 2 فبراير 2013

إعادة تعريف الحياة

كان يجلس بجواري و يقلب ملعقته في صحن الأرز و هو شارد الذهن دون أن يقول شيئا، ثم أسند رأسه للخلف و أطلق تنهيدة و قال: الحياة ظالمة! جلس ينظر إلي و كأنه ينتظر مني تعقيبا و عندما لم أجبه التفت نحوي و قال: الحياة ظالمة، صح؟

المقولات المتعلقة بالحياة مثل الحياة الظالمة، الحياة صعبة، الحياة حلوة، أنت لا تفهم الحياة، أنا أخبر منك في الحياة، مشاغل الحياة، و غيرها كلها تصور الحياة على أنها كائن منفصل تحكمه قوانين معينة و له صفات محددة و نحن البشر علينا أن نعرف كيف نتعامل معه عن طريق دراسة صفاته و معرفة القوانين التي تحكمه. لذلك كان صاحبنا يسأل: هل الحياة ظالمة؟ فهو كان يريد مني أن أقول له نعم الحياة تتصف بالظلم أو بأنها على العكس من ذلك فالحياة تتميز بأنها عادلة جدا. فهو كان يحاول (فهم الحياة) عن طريق معرفة صفاتها.

في الحقيقة، لا أعتقد بأن الطريقة المثلى (لفهم الحياة) هي تصويرها بهذه الكيفية. الحياة ليست عادلة أو صعبة أو جميلة أو أي من ذلك. الحياة لا تتميز بأي صفات مميزة بل هي محايدة تعكس أي صبغة يتم طلاؤها بها. فإن كان المرء محاطا بالظلمة الجبابرة فإن الحياة ستبدو ظالمة و إن كان يعيش في محيط سعيد فإن الحياة ستكون على الأغلب سعيدة. الحياة إذا لا يمكن فهمها بمعزل عن الإنسان و محيطه الذي يتفاعل فيه. و هي لا تتميز بصفات ثابتة أو تفهم بطريقة واحدة.

مالفائدة من هذا التعريف للحياة؟
إعادة تعريف الحياة  بهذه الكيفية له 3 نتائج مهمة: جانب عقدي و آخر إجتماعي و الثالث تطبيقي

النتيجة الأولى:
إصباغ صفات معينة على الحياة قد يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى أن يصاب الإنسان بحالة من العجز و الخنوع. فالإنسان الذي يتصور أن الحياة ظالمة بطبعها يتصور بأنه مجرد موجود ضعيف لا حول له و لا قوة إذا ما قُورنَ بهذه الحياة الجبارة الظالمة. الإنسان الرازح تحت هذا النوع من الشعور سيصاب بالتبلد و لن يحاول على الأغلب محاولة إزاحة الظلم عن غيره أو حتى عن نفسه لأنه يعتقد في قرارة نفسه بأنه لا طائل من محاولة إزاحة الظلم فهو حتى لو تمكن من رفع الظلم مؤقتا فإن الظلم سيعاود الظهور حتما لأن الظلم سمة تتميز بها الحياة و طبع يستحيل تغييره.

هذه الحالة من الخنوع قد يمكن ربطها بحالة القنوط القَدَرِي التي تتولد نتيجة لإيمان معين بقدرة فوق بشرية تعمل على تحديد مصائرنا. الإيمان بأن مصائرنا محددة من قبل خلقتنا و بأن الإنسان مهما حاول أو سعى فإن ذلك لن يساهم في تغيير حياته يولد حالة من اليأس و القنوط فالإنسان يرى نفسه مكبلا في هذه الحياة و عاجزاً أمام هذه القدرة التي تحدد مصيره.


النتيجة الثانية:

النتيجة الثانية للتعريف الذي تقترحه هذه المقالة تتعلق بالجانب الإجتماعي. بافتراض أن الحياة ما هي إلا مجموع التفاعلات التي تحدث في محيط الفرد و بأن كل فرد تختلف حياته باختلاف التفاعلات التي تجري في محيطه، هذا الافتراض يقودنا للتساؤل حول شرعية اتخاذ قرارات بالنيابة . و أعني بـ "قرارات بالنيابة" هي تلك القرارات التي يتخذها الشخص بالنيابة عن شخص آخر و تكون هذه القرارات تمس حياة الشخص الآخر بشكل مباشر. مثلا، هل يصح أن تتخذ الأم قرار اختيار الفتاة المناسبة لابنها؟ في ظل هذا التعريف للحياة فإن الأم مهما بلغت من الحكمة و الخبرة الحياتية فإن ذلك لا يعني بأنها تفهم حياة إبنها لأنه يوجد تمايز بين حياة الأم و حياة الإبن بحكم التمايز بين المحيطين. و بالتالي فإن الإبن يكون هو الشخص الأقدر على اتخاذ القرارات التي تمس حياته لأنه الشخص الأقدر على فهم حياته. و بالتالي فإن الآخرين لا يتملكون حق إتخاذ قرارات بالنيابة. بل إنهم حتى لو قاموا باتخاذ هذه القرارات فإن القرارات ستكون مبنية على حياتهم و ليست على حياة الشخص المعني بحكم الإختلاف بين الحياتين.

النتيجة الثالثة 

النتيجة الثالثة لهذا التعريف للحياة تمس الناحية التطبيقية للحياة. إن التعريف الذي تقترحه المقالة للحياة يقول بأن الحياة تختلف من شخص لآخر. الأخذ بهذا التعريف يدفعنا لإعادة النظر في فكرة "خبير الحياة". إذا قلنا بأن الحياة تمتلك صفاة معينة فإنه من الطبيعي أن يكون لدينا من يفهم هذه الصفات بشكل أفضل من غيره، هذ الشخص بحكم تجربته مع الحياة و كبر سنه أو ربما نتيجة لنجاحاته في الحياة يسمى بـ"خبير الحياة" و هو شخص ترجع إليه الناس لينقل إليهم خبرته في الحياة لعلهم أيضا يصبحون خبراء مثله. من الأمثلة على ذلك هي الكتب و المحاضرات  التي يلقيها رجال الأعمال الناجحين، إن الهدف من هذه الأعمال هي تقديم وصفة للنجاح مبنية على خبرة الشخص. التعريف الذي تعرضه المقالة يشكك في فعالية مثل هؤلاء الخبراء لأن التعريف أولا ينفي أساس وجود صفات معينة للحياة و ثانيا التعريف يقول بأن الحياة تختلف من شخص لآخر و ما يحدث لشخص لا ينطبق بالضرورة على الآخر. 

هل هذا يعني بأن كل التجارب الإنسانية غير قابلة للنقل و أن على الشخص عدم النظر لتجارب غيره؟
للإجابة على هذا السؤال، تجدر الإشارة بأن التعريف الذي تفترضه المقالة لا ينفي وجود تشابه بين حياة أي شخصين، و لكنه ينفي وجود التطابق بينهما. تكمن خطورة الأخذ بتجارب الآخرين في أننا عادة ننظر لعدد قليل من العوامل التي تدخل في العملية. لو أخذنا على سبيل المثال الرئيس التنفيذي الراحل لشركة آبل (ستيف جوبز). عندما تمت اقالته من آبل، ساهم في تأسيس شركة بيكسار للرسوم المتحركة و التي حققت نجاحا كبيرا. نحن عندما نقرأ هذه القصة نأخذها بالطريقة التالية: المشكلة: إقالة من شركة، الحل: إنشاء شركة أخرى. و لا يخفى عليكم بأن هذه الطريقة تبسيطية فهي لا تأخذ بعين الإعتبار، العوامل النفسية، المالية، الاقتصادية، الاجتماعية، الزمان و المكان...الخ من العوامل التي جعلت من هذا القرار ناجحا. بالتالي فإني أجادل بأن على الشخص أن يدرس حياته بشكل دقيق و يتوخ الحذر عندما يأخذ بتجارب الآخرين لأنها قد لا تكون ملائمة له.

في النهاية أقول لصديقي، فتش عن الظالم في حياتك و اعمل على أن تفتك منه. أما أنا فلا أستطيع أن أجيبك بالنيابة عن حياتك لأنك أنت الخبير الحقيقي عندما يتعلق الأمر بك و خبرتي في الحياة قد لا تكون نافعة لك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق