الاثنين، 4 نوفمبر 2013

عن الواحد بالمئة أحدثكم

أثار انتباهي مؤخرًا مقال في صحيفة The Telegraphالبريطانية للكاتب الإسكتلندي (فريزر نيلسون) بعنوان " لا تلُم الواحد بالمئة الأفضل أجرًا فهم يستحقون (أجرهم)". يدافع فيه  عن الأجور العالية التي يتقاضاها أصحاب الدخل العالي و لكي نكون أكثر دقة فهو يدافع عن "الواحد بالمئة الأكثر أجرًا". ما معنى الواحد بالمئة الأكثر أجرًا؟ المقصود بأننا لو قمنا بعمل تعداد لجميع الناس في بريطانيا و رتبناهم في قائمة بحسب دخلهم السنوي بحيث يتدرجون من الأعلى دخلا إلى الأقل دخلا. ثم اقتطعنا واحد بالمئة من أعلى القائمة، فإن هذه القائمة المقتطعة تمثل "الواحد بالمئة الأكثر أجرًا" أي يمكننا القول بإن السيد نيلسون في مقاله يدافع عن أجور أكثر الناس ثراءًا في المجتمع. حتى نفهم مقصد السيد نيلسون من الملائم أن نرجع بضع سنين إلى الوراء.

الأزمة المالية في دقيقتين:
عندما حلت الأزمة المالية العالمية في 2008 و التي كانت بدايتها إنهيار سوق العقار في الولايات المتحدة الأمريكية و تبعها بالتالي انهيار العديد من البنوك و المؤسسات المالية التي تعتمد بشكل كبير على المضاربة في سوق الرهانات العقارية، انهيار البنوك بدوره أدى إلى تدمير ركيزة أساسية في الإقتصاد الرأسمالي و هي اللإقراض بفائدة، فقد مئات الآلاف من العمال حول العالم وظائفهم اليومية و قوت حياتهم. وجهت أصابع الإتهام إلى رؤساء البنوك و المؤسسات المالية حيث كان الإعتقاد السائد بأن سبب الأزمة هو أن أصحاب البنوك كانوا يقومون بإعطاء القروض التمويلية بشكل لا مسؤول لمقترضين لا يستطيعون تسديد ديونهم. يقوم الممول عادة باللإستيلاء على المنزل عندما يفشل صاحب المنزل في دفع دينه و يقوم بعدها بعرض المنزل على شخص آخر. الأزمة حلت عندما فشل عدد كبير من الناس في دفع ديونهم، هذا يعني بأن البنك يمتلك الكثير من البيوت للبيع مما يعني ازدياد العرض على البيوت. والقاعدة الاقتصادية تقول بأن ازدياد العرض -إذا لم يماثله ازدياد في الطلب- يؤدي إلى انخفاض الأسعار، و هذا بالضبط ما حدث في 2008. انخفاض الأسعار يعني بأن البنك قد خسر استثماره في المنزل فالمنزل الآن أصبح سعره أقل مما كان عليه. لن تكون هذه مشكلة لو كان بيتا واحدا أو عدد معقول من البيوت، لكن جشع البنوك جعلهم يستسهلون إعطاء القروض للعديد من الأشخاص الذين فشلوا في دفع قروضهم مما يعني بأن البنك الآن قد خسر عددا كبيرا من الإستثمارات. كبير بما يكفي لكي يعلن إفلاسه. 

ماذا حدث بعد ذلك؟
في الفترة ما بين 2008 و 2012 أعلن 465 بنك و مؤسسة مالية في الولايات المتحدة إفلاسها. لكن الهزة لم تصب المؤسسات المالية الفقط. الإقتصاد العالمي بأغلب قطاعاته تأثر. في بريطانيا مثلا تبلغ البطالة بين الشباب أكثر من 20% و في الولايات المتحدة تبلغ النسبة 16% و في اليونان تصل النسبة ل 65%! هبت الحكومة الأمريكية لإنقاذ العديد من الشركات من الإفلاس و ضخت أكثر من 600 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب للحفاظ على ما يقارب 1000 شركة من الإفلاس. القائمة تضم في جنباتها شركات سيارات و شركات تأمين لكن 99.35% من الشركات التي تم إنقاذها هي مؤسسات مالية. لك أن تتخيل عزيزي القارئ حجم الغضب الذي سينتابك عندما يتم سحب أموالك على شكل ضرائب و إعطاؤها للشركات التي تسببت بكل هذا الدمار.

الواحد بالمئة!
لنعد للواحد بالمئة التي يستميت السيد نيلسون في الدفاع عنها و تبيان مظلوميتها، في هذا السياق قد يكون من الملائم ذكر بعض الأرقام المتعلقة بها. المؤسسة المالية العالمية Credit Suisse تذكر بعض  الأرقام المثيرة في تقريرها السنوي عن "النمو العالمي". على المستوى العالمي، يذكر التقرير بأن 0.7% (أقل من 1%) من العالم يستحوذون على 41% من مجموع الثروات على الأرض! و إذا ما وسعنا الدائرة أكثر لجعلها تشمل الـ9% الأكثر ثروة فإن مجموع ثروة هؤلاء سيمثل أكثر من 80% من مجموع ثروات الأرض! هذا يعني أن 91% البقية من السكان على كوكب الأرض لا يمتلكون سوى 20%من مجموع الثروات على وجه الأرض. لكن السيد نيلسون لا يجد حرجا في الدفاع عن القلة التي تملك الكثرة و يتجاهل كل المصائب الناتجة عن هذا التكدس الغير العادل للثروة. مكتب الاحصاءات الوطنية في دولة بريطانيا -التي يقطن بها السيد نيلسون- وجد بأن 10% من الناس في بريطانيا يمتلكون 43.8% من مجموع مقدرات الدولة و بأن 50% من الناس يمتلكون 10%، أي أن نصف البلد يمتلك عُشر البلد و عُشر البلد يمتلك ما يقارب نصفه.

الخلاصة:
مما لا شك فيه بأن فريزر نيلسون ليس جاهلا بهذه الأرقام التي وردت في المقالة بحكم موقعه ككاتب لعمود اقتصادي في صحيفة The Telegraph، و إذا ما دققنا في المقال فإننا لا نجد فيه أي غرابة. فالسيد نيلسون يتحدث بلسان رأسمالي مبين. فالتوازن الاجتماعي ليس مهما مادامت الشركة مربحة. و كما قال اللإقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان "إن المسؤولية الإجتماعية للشركة هي تحصيل الأرباح" فالتفاوت الطبقي و تدمير الأرض و من عليها ليس مهما ما دام الأمر مدرا للربح.

======================================================
المراجع
  1. مقالة فريزر نيلسون في The Telegraph
    http://www.telegraph.co.uk/finance/globalbusiness/10202546/Dont-blame-the-best-paid-1per-cent-theyre-worth-it.html
  2. تقرير Credit Suisse
    http://thenextrecession.files.wordpress.com/2013/10/global-wealth-report.pdf
  3. مقالة في The Guardian عن توزيع الثروة في بريطانيا
    http://www.theguardian.com/money/2012/dec/03/richest-10-uk-households-40-per-cent-wealth-ons
  4. قائمة البنوك المفلسة في الولايات المتحدة منذ 2008
    http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_bank_failures_in_the_United_States_(2008%E2%80%93present)
  5. تقرير في The Guardian عن البطالة في أوروبا
    http://www.theguardian.com/business/2013/aug/30/spain-youth-unemployment-record-high

الخميس، 9 مايو 2013

معضلة إله المال

يحكى يوما أن إله العدالة (خريتيوس) مر بإله المال (زروش) فوجده في حيرة من أمره فسأله: "ما لي أراك مهموما و في خزنتك كل هذه الأموال؟" فأجاب زروش: "ما يحزنني يا خريتيوس ليس كمية الأموال في خزنتني بل كيفية توزيعها على الناس فلعلك تعينني على ذلك فأنت إله (كلاسيا) العظيم و أمين عدالتها فهلا فعلت؟" تأمل خريتيوس في وجه زروش و قال: "نعم أيها الصديق اطرح مسألتك فما من نزاع إلا و أقضي فيه بأعدل الأجوبة و أحكمها فما هي مسألتك؟" فرح زروش بجواب إله العدالة فطرح مسألته:
"اسمع يا خريتيوس، إني نظرت في كلاسيا فرأيت أصحاب العمل على صورتين: موظَف و موظِف. و إني لما أمعنت في الفرق بين الإثنين فإني رأيت الموظَف يفلق الصخور و يرعى الماشية و يراقب الزرع و يسقي الخيل و يضرب الحديد و يحارب في المعارك فهو بذلك يستهلك بدنه و فكره، و هو في شؤونه كلها يفعل ذلك لصالح الموظِف فالموظِف هو من يشتري بماله الفؤوس كي تفلق الصخور و الماشية كي تتم رعايتها و الزراعة كي تتم سقايتها و الأفران التي تحمي الحديد و العتاد للمعركة. فهو صاحب الفضل ليس فقط لأنه صاحب المال بل لإنه أيضا تحمل المخاطر المصاحبة لإنشاء العمل و ما يترتب على ذلك من مخافة ضياع الأموال." قال خريتيوس: "صحيح فلولا مال الموظِف لما كان هناك موظًف." فقاطعه زروش: "نعم لكن بالإمكان قلب العملية فتصبح لولا الموظَف لما كان لمال الموظِف أي فائدة. فالموظَف هو أساس الربح و الإنتاج. فهل فهمت سبب حيرتي يا خريتيوس؟ أجبني يا إله العدالة كيف أوزع المال بين الإثنين؟ هل يستحق الموظِف حصة أكبر لأنه أصل المال و مصدره أو الموظَف بحكم أنه من يعطي المال معناه و يقاسي في تحصيله؟"

هنا تنتهي القصة و لا تذكر جواب خريتيوس على هذه المعضلة و لنا أنا نتخيل بماذا كان سيحكم إله العدالة إذا ما عرفنا أيديلوجيته الفكرية، النظرة الرأسمالية الحقوقية ستجيب بسرعة أن المال يجب أن يكون من حق صاحب رأس المال (الموظِف) لأن المال ماله و الموظَف ليس إلا أجيرا عنده لا يمتلك أي صلاحية للتصرف في المال مهما بلغ به التعب و لو كان يشقى و يكد فملكية المال لم تنتقل إليه و إنما هو مؤتمَن عليه. المال كله للموظِف، هكذا سيكون جواب خريتيوس الرأسمالي. و الموظَف لا يمتلك إلا ما يعطيه إياه الموظِف.

أما لو كان خريتيوس اشتراكيا فإنه سيجيب بأن المال ليس ملكا للموظَف أو الموظِف بل تعود ملكيته لجميع أفراد المجتمع و بالتالي فإن السلطة المركزية هي من تمتلك حق التصرف بهذه الأموال. المال إذا يذهب لخزائن السلطة المركزية التي توزعه حسبما تقتضيه المصلحة الاجتماعية العامة. و بما أن السلطة المركزية هي الجهة التي تمتلك الأموال فإن ذلك يعني بأنها هي الوحيدة القادرة على صناعة الوظائف و بالتالي لا يكون هناك موظِف كما في النظام الرأسمالي فالموظِف هنا هو نفسه السلطة المركزية. في هذا النموذج يتضخم موقع الموظَف بصفته القوة المنتجة الحقيقية و يهمش دور الموظِف الذي تحل محله السلطة المركزية. على الرغم من أن دور العامل قد يكون أكثر مركزية في النظام الاشتراكي إلا أن ذلك لا يعطيه صلاحية التصرف بالمال فذلك يعود لتقدير الإدارة المركزية.

يُلاحظ إذاً أن النظامين الرأسمالي و الاشتراكي - و إن اختلفا في الأسلوب - فإنهما لا يعطيان العامل الصلاحية في التصرف بالأموال. و كل قرش يجنيه العامل يعود للمالك سواءا كان صاحب رأس المال أم السلطة المركزية.

كان زروش يعلم بهذه المفارقة بين النظامين لكنه لم يقتنع بأي منهما. بدا لزروش بأن العامل يمتلك حقا (أصيلا) في المال اللذي يجنيه و بأنه لا يجب أن تترك عملية تقدير راتب العامل بيد المالك. لكن من جهة أخرى، ألا يحق لصاحب المال التحكم في ماله كيفما يريد بصفته مالكا؟

تخيل مكانك في مجلس آلهة كلاسيا مرتديا عباءة العدالة الخاصة بخريتيوس، بماذا كنت ستحكم في هذه المسألة؟ بأن المال يعود بالكامل للموظِف و بأن ليس للموظَف إلا ما يرتضيه له الموظِف أم بأن الأموال بمجملها تعود للسلطة المركزية التي تبت في هذا الشأن. أم شئ غير ذلك؟



السبت، 2 فبراير 2013

إعادة تعريف الحياة

كان يجلس بجواري و يقلب ملعقته في صحن الأرز و هو شارد الذهن دون أن يقول شيئا، ثم أسند رأسه للخلف و أطلق تنهيدة و قال: الحياة ظالمة! جلس ينظر إلي و كأنه ينتظر مني تعقيبا و عندما لم أجبه التفت نحوي و قال: الحياة ظالمة، صح؟

المقولات المتعلقة بالحياة مثل الحياة الظالمة، الحياة صعبة، الحياة حلوة، أنت لا تفهم الحياة، أنا أخبر منك في الحياة، مشاغل الحياة، و غيرها كلها تصور الحياة على أنها كائن منفصل تحكمه قوانين معينة و له صفات محددة و نحن البشر علينا أن نعرف كيف نتعامل معه عن طريق دراسة صفاته و معرفة القوانين التي تحكمه. لذلك كان صاحبنا يسأل: هل الحياة ظالمة؟ فهو كان يريد مني أن أقول له نعم الحياة تتصف بالظلم أو بأنها على العكس من ذلك فالحياة تتميز بأنها عادلة جدا. فهو كان يحاول (فهم الحياة) عن طريق معرفة صفاتها.

في الحقيقة، لا أعتقد بأن الطريقة المثلى (لفهم الحياة) هي تصويرها بهذه الكيفية. الحياة ليست عادلة أو صعبة أو جميلة أو أي من ذلك. الحياة لا تتميز بأي صفات مميزة بل هي محايدة تعكس أي صبغة يتم طلاؤها بها. فإن كان المرء محاطا بالظلمة الجبابرة فإن الحياة ستبدو ظالمة و إن كان يعيش في محيط سعيد فإن الحياة ستكون على الأغلب سعيدة. الحياة إذا لا يمكن فهمها بمعزل عن الإنسان و محيطه الذي يتفاعل فيه. و هي لا تتميز بصفات ثابتة أو تفهم بطريقة واحدة.

مالفائدة من هذا التعريف للحياة؟
إعادة تعريف الحياة  بهذه الكيفية له 3 نتائج مهمة: جانب عقدي و آخر إجتماعي و الثالث تطبيقي

النتيجة الأولى:
إصباغ صفات معينة على الحياة قد يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى أن يصاب الإنسان بحالة من العجز و الخنوع. فالإنسان الذي يتصور أن الحياة ظالمة بطبعها يتصور بأنه مجرد موجود ضعيف لا حول له و لا قوة إذا ما قُورنَ بهذه الحياة الجبارة الظالمة. الإنسان الرازح تحت هذا النوع من الشعور سيصاب بالتبلد و لن يحاول على الأغلب محاولة إزاحة الظلم عن غيره أو حتى عن نفسه لأنه يعتقد في قرارة نفسه بأنه لا طائل من محاولة إزاحة الظلم فهو حتى لو تمكن من رفع الظلم مؤقتا فإن الظلم سيعاود الظهور حتما لأن الظلم سمة تتميز بها الحياة و طبع يستحيل تغييره.

هذه الحالة من الخنوع قد يمكن ربطها بحالة القنوط القَدَرِي التي تتولد نتيجة لإيمان معين بقدرة فوق بشرية تعمل على تحديد مصائرنا. الإيمان بأن مصائرنا محددة من قبل خلقتنا و بأن الإنسان مهما حاول أو سعى فإن ذلك لن يساهم في تغيير حياته يولد حالة من اليأس و القنوط فالإنسان يرى نفسه مكبلا في هذه الحياة و عاجزاً أمام هذه القدرة التي تحدد مصيره.


النتيجة الثانية:

النتيجة الثانية للتعريف الذي تقترحه هذه المقالة تتعلق بالجانب الإجتماعي. بافتراض أن الحياة ما هي إلا مجموع التفاعلات التي تحدث في محيط الفرد و بأن كل فرد تختلف حياته باختلاف التفاعلات التي تجري في محيطه، هذا الافتراض يقودنا للتساؤل حول شرعية اتخاذ قرارات بالنيابة . و أعني بـ "قرارات بالنيابة" هي تلك القرارات التي يتخذها الشخص بالنيابة عن شخص آخر و تكون هذه القرارات تمس حياة الشخص الآخر بشكل مباشر. مثلا، هل يصح أن تتخذ الأم قرار اختيار الفتاة المناسبة لابنها؟ في ظل هذا التعريف للحياة فإن الأم مهما بلغت من الحكمة و الخبرة الحياتية فإن ذلك لا يعني بأنها تفهم حياة إبنها لأنه يوجد تمايز بين حياة الأم و حياة الإبن بحكم التمايز بين المحيطين. و بالتالي فإن الإبن يكون هو الشخص الأقدر على اتخاذ القرارات التي تمس حياته لأنه الشخص الأقدر على فهم حياته. و بالتالي فإن الآخرين لا يتملكون حق إتخاذ قرارات بالنيابة. بل إنهم حتى لو قاموا باتخاذ هذه القرارات فإن القرارات ستكون مبنية على حياتهم و ليست على حياة الشخص المعني بحكم الإختلاف بين الحياتين.

النتيجة الثالثة 

النتيجة الثالثة لهذا التعريف للحياة تمس الناحية التطبيقية للحياة. إن التعريف الذي تقترحه المقالة للحياة يقول بأن الحياة تختلف من شخص لآخر. الأخذ بهذا التعريف يدفعنا لإعادة النظر في فكرة "خبير الحياة". إذا قلنا بأن الحياة تمتلك صفاة معينة فإنه من الطبيعي أن يكون لدينا من يفهم هذه الصفات بشكل أفضل من غيره، هذ الشخص بحكم تجربته مع الحياة و كبر سنه أو ربما نتيجة لنجاحاته في الحياة يسمى بـ"خبير الحياة" و هو شخص ترجع إليه الناس لينقل إليهم خبرته في الحياة لعلهم أيضا يصبحون خبراء مثله. من الأمثلة على ذلك هي الكتب و المحاضرات  التي يلقيها رجال الأعمال الناجحين، إن الهدف من هذه الأعمال هي تقديم وصفة للنجاح مبنية على خبرة الشخص. التعريف الذي تعرضه المقالة يشكك في فعالية مثل هؤلاء الخبراء لأن التعريف أولا ينفي أساس وجود صفات معينة للحياة و ثانيا التعريف يقول بأن الحياة تختلف من شخص لآخر و ما يحدث لشخص لا ينطبق بالضرورة على الآخر. 

هل هذا يعني بأن كل التجارب الإنسانية غير قابلة للنقل و أن على الشخص عدم النظر لتجارب غيره؟
للإجابة على هذا السؤال، تجدر الإشارة بأن التعريف الذي تفترضه المقالة لا ينفي وجود تشابه بين حياة أي شخصين، و لكنه ينفي وجود التطابق بينهما. تكمن خطورة الأخذ بتجارب الآخرين في أننا عادة ننظر لعدد قليل من العوامل التي تدخل في العملية. لو أخذنا على سبيل المثال الرئيس التنفيذي الراحل لشركة آبل (ستيف جوبز). عندما تمت اقالته من آبل، ساهم في تأسيس شركة بيكسار للرسوم المتحركة و التي حققت نجاحا كبيرا. نحن عندما نقرأ هذه القصة نأخذها بالطريقة التالية: المشكلة: إقالة من شركة، الحل: إنشاء شركة أخرى. و لا يخفى عليكم بأن هذه الطريقة تبسيطية فهي لا تأخذ بعين الإعتبار، العوامل النفسية، المالية، الاقتصادية، الاجتماعية، الزمان و المكان...الخ من العوامل التي جعلت من هذا القرار ناجحا. بالتالي فإني أجادل بأن على الشخص أن يدرس حياته بشكل دقيق و يتوخ الحذر عندما يأخذ بتجارب الآخرين لأنها قد لا تكون ملائمة له.

في النهاية أقول لصديقي، فتش عن الظالم في حياتك و اعمل على أن تفتك منه. أما أنا فلا أستطيع أن أجيبك بالنيابة عن حياتك لأنك أنت الخبير الحقيقي عندما يتعلق الأمر بك و خبرتي في الحياة قد لا تكون نافعة لك.