السبت، 24 نوفمبر 2012

لذلك نكره إسرائيل

هذه المقالة ستحاول عرض أهم الدوافع الأيديولوجية التي تدعوا العرب و المسلمين  لكره إسرائيل و التعليق عليها من وجهة نظر الكاتب. المقالة ستعرض دافعين رئيسين لكره إسرائيل قبل أن تعرض الدافع الذي يتبناه الكاتب. 

1-إسرائيل دولة يهودية:

الكثير من العرب و بالخصوص المسلمين منهم يكره إسرائيل و يعاديها لأنها دولة يهودية. هذه العداوة المبنية على أساس ديني تنظر إلى إسرائيل باعتبارها دولة دينية يهودية خاضت حروبا مع دولٍ إسلامية و نكلت بشعب مسلم. هذا الأساس في نظري يصطدم بمشكلتين في مرحلة التطبيق.

المشكلة الأولى: إسرائيل ليست دولة يهودية بالكامل.

 نعم صحيح أن غالبية السكان تعتنق الديانة اليهودية لكن هناك ديانات متعددة في اسرائيل. بحسب إحصاء 2008 فإن أكثر من 15% من سكان إسرائيل هم من المسلمين. أيضا هناك أكثر من 153 ألف مسيحي إسرائيلي و كذلك أكثر من 120 ألف درزي.


المشكلة الثانية: اليهود لا يدعمون إسرائيل بالضرورة.

 المؤيدون لجماعة ناطوري كارتا يرفعون الأعلام الفلسطينية (رويترز)
 هناك الكثير من اليهود الذين لا يدعمون دولة إسرائيل. تشير إحدى الدراسات بأن حوالي ثلث اليهود الأمريكيين لا يعتبرون الإهتمام لشأن إسرائيل شيئا مهما للشخص اليهودي. هذا يوضح بأن هناك شريحة كبيرة من اليهود لا تهتم لشأن إسرائيل و لا تعتبر الإهتمام لأمرها جزء من الهوية اليهودية. بل الأمر يتجاوز عدم الإهتمام لأمر إسرائيل و يصل إلى حد التصريح بكراهية إسرائيل و مساندة الشعب الفلسطيني عند بعض الجماعات اليهودية كما تفعل ذلك جماعة "ناطوري كارتا" و هي جماعة يقودها بعض رجال الدين اليهود الذين يعارضون بشدة وجود دولة إسرائيل و يدعون لزوالها .

بالنظر للمشكلتين السابقتين، لا أعتقد أن كره اليهود يصح أن يكون الدافع لكره إسرائيل لأن في هذا التوصيف افتراض بأن كل الإسرائيلين يهود و بأن كل اليهود إسرائيليين و هما افتراضان تقدم إيضاح عدم صحتهما.


2-فلسطين أرض إسلامية تاريخيا و ليس لليهود حق فيها:

هذا الدافع لكره إسرائيل يختلف عن الدافع السابق لكونه ينظر إلى الجانب التاريخي من الصراع. المتبنون لهذا النهج يقولون بأن فلسطين كانت تحت الحكم الإسلامي قبل أن يحتلها اليهود و المسلمون يمتلكون حقا تاريخيا فيها. في الحقيقة هذا المبرر هو نفسه الذي استعمله المسيحيون لشن حملاتهم الصليبية على المسلمين ما بين القرنين الحادي عشر و الثالث عشر ميلادي. المؤيدون للحملات الصليبية كانوا يقولون بأن الأرض المقدسة (فلسطين) كانت تحت الحكم الروماني المسيحي قبل أن يدخلها المسلمون في عهد الخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب. معاداة إسرائيل لأنها دولة يهودية ليس لها حق في فلسطين يعني بأن المسيحين أيضا قد يقولون بأن لهم حق تاريخي في فلسطين. ليس فقط فلسطين، بل إنه سيكون لهم حق في أغلب الدول الإسلامية في الشام و شمال إفريقيا التي كانت خاضعة لحكم الدولة الرومانية بالتالي لا يصح أن يكون عداؤنا لإسرائيل مبنيا على هذا الأساس.


3-إذا لماذا نكره إسرائيل؟

قبل الخوض في هذه النقطة يجدر التنويه بأن هذه المقالة لا تحاول أن تخلق سببا من العدم لكره إسرائيل.لا أعتقد بأن البشر يجب أن يكرهوا بعضهم البعض، أعتقد أيضا بأن البشر يجب أن لا يلجؤوا إلى العنف في حل مشكلاتهم. أؤمن إيمانا كاملا بأن الناس إذا ما امتلكوا الإرادة الصادقة فإنهم يستطيعوا حل مشاكلهم بالتفاهم و التآخي بدلا من الكراهية و الصراع.

هذه المقدمة ضرورية لفهم السبب الذي يجعلني أكره إسرائيل. أنا لا أكره إسرائيل لأنها تعتنق المذهب اليهودي أو لأن فلسطين يجب أن تبقى تحت الحكم الإسلامي، أنا أكره إسرائيل لأنها دولة تتم إدارتها من قبل عصابات إجرامية لا تتوانى عن الإجرام في كل يوم بل في كل لحظة. فلو أردنا أن نتغافل عن التاريخ الأسود الإجرامي الذي قامت على أساسه هذه الدولة، و أردنا أن نغفر لهذه العصابة ما اقترفته من مجازر و تهجير و تعذيب لكفانا ما تقوم به الآن من حصار الشعب الفلسطيني في غزة. هذا الحصار الجوي و الأرضي و البحري على سكان غزة و منع الأدوية و المواد الأساسية من دخول قطاع غزة ما هو إلا دليل صارخ و شاهد حي على بشاعة هذه الدولة و تجبرها. الصليب الأحمر على سبيل المثال لا الحصر ندد بهذا الحصار الغاشم متهما السلطات الإسرائلية  بتعطيل مرور الأدوية الأساسية و مستلزمات الحياة اليومية إلى القطاع. بالإضافة إلى هذا الحصار الهمجي فإن السلطات الإسرائيلية قد قطعت أوصال ما تبقى من فلسطين ببنائها ما أسمته بالجدار الفاصل الذي يحيط بالضفة الغربية و يقتطع أراض فلسطينية شاسعة. هذا الجدار الذي جعل التنقل بين كثير من المناطق الفلسطينية مهمة عسيرة تمت إدانته من قبل منظمات إنسانية عدة من بينها المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بيتسيليم" التي قالت بأن الجدار يقوم بإعاقة التنمية الإقتصادية في كثير من المناطق الفلسطينية حيث يقوم بتقطيع أوصال الأراضي الزراعية للفلسطينيين. إن دولة تقوم على أساس قهر شعب آخر هي في الحقيقة دولة لا تستحق أدنى درجات الإحترام. إن الدولة التي لاتحترم الإتفاقيات و لا المعاهدات هي من يهدد السلم في العالم و ينشرالكراهية فيه.

هل هذا يعني أنه يجب علينا طرد كل الإسرائيلين المتواجدين في فلسطين؟ أعني بالإسرائيلين هنا كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية و منهم من ولد على هذه الأرض و لا يعرف غيرها وطنا. هل لهؤلاء الحق في العيش في هذه المنطقة؟ و هل يحق لأبناء المهجرين الفلسطينين الرجوع إلى أرض آبائهم؟ هناك العديد من الأسئلة التي يجب أن تبحث و يوجد لها حلا. لكن ما دامت إسرائيل تتصرف بهذه الطريقة التكبرية فإنه لن يتمكن أحد من طرح الأسئلة الصحيحة فما بالك بإيجاد الأجوبة الصحيحة. أنا لا أكره إسرائيل لأني عربي تمت هزيمته في معركة سابقة أو إسلامي يريد أن يرجع "الحكم الإسلامي" الذي تمت تنحيته. أنا أكره إسرائيل لنفس السبب الذي يجعلني أكره اللصوص و القتلة و الغاصبين الحقوق. لهذا السبب أكره إسرائيل.

==========================
المراجع
BBC Arabic. 2012. منظمة حقوقية إسرائيلية: الجدار الفاصل يسبب الأذى للفلسطينين  [Online]. Available at: 
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/11/121105_btselem_report_wall.shtml

CBS. 2009. STATISTICAL ABSTRACT OF ISRAEL 2009. [Online]. Available at: http://www.cbs.gov.il/reader/shnaton/templ_shnaton_e.html?num_tab=st02_02&CYear=2009

Global Jewsish Advocacy. 2012. AJC 2012 Survey of American Jewish Opinion [Online]. Available at: [http://www.ajc.org/site/apps/nlnet/content3.aspx?c=ijITI2PHKoG&b=846741&ct=12208961

HAARETZ. 2009. Red Cross: Israel trapping 1.5m Gazans in despair [Online]. Available at: http://www.haaretz.com/news/red-cross-israel-trapping-1-5m-gazans-in-despair-1.279044

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

بعضا من المال

وظيفة الكبار هي سرقة الأحلام. اليوم عادت بي الذكرى لأيام المدرسة، في اللحظة التي صارحت فيها صديقي بأنني تخليت عن حلمي القديم لأنه يبدو صعب المنال و قررت استبداله بحلم آخر أكثر واقعية. أخبرته بأنه يصعب على المرء أن يصبح وزيرا هذه الأيام من دون واسطة ما، و بأنني قررت بدلا من ذلك أن أختار حلما لا أحتاج فيه إلى شئ و لذلك قررت أن أنشئ مصنعا وطنيا للسيارات، تحمس صديقي للفكرة  ثم اكتشفنا لاحقا بأن مصنع السيارات لا يختلف كثيرا عن الوزير فهو أيضا يحتاج لشئ  من عالم الكبار، مصنع السيارات يحتاج إلى المال .. الكثير من المال.

المال. لا أعلم لمذا يسمى بهذا الاسم. ربما لأن أول من اهتم لأمره "مال" إليه و ترك الناس ثم مال الناس معه. المال هو ما يريدك الكبار أن تفكر فيه. هو الحلم الوحيد الذي سيسمحون لك باتخاذه. تتنازل عن أحلامك واحدا تلو الآخر و يصبح همك هو الحصول على تلك الترقية أو ذلك المنصب. يقول لي طالب الطب، في صغري كنت أريد أن أصبح جراحا لأني كنت أستشعر عظمة هذه المهنة و نبلها أما الآن فكل ما أريده هو مسكن لائق و سيارة محترمة و الجراحة ستحقق لي ذلك. اللعنة على المال قاتل الأحلام.

يجلس مع صديقه حول طاولة أحد المطاعم المزدحمة في فسحة الغداء، يبدأ الحديث ب "وش الجديد؟" و ينتهي بلعن تخصصهم الجامعي. لم يكونا كذلك أيام الجامعة، كانت هوايتهم تبادل المقالات حول تخصصهم، كانت الساعات تطوى و هما يتبجحان أمام رفقاهم حول أهمية ما يدرسانه مثلهم مثل الكثير من الطلاب الحالمين. أما الآن فهما يلعنان نفس التخصص الذي كانا يفتخران به. التخصص لم يتغير و لكن المال هو من تغير. هما لا يلعنان التخصص بقدر ما يلعنان الأحلام التي تكسرت على باب المال و لم يفتح لهم.

لعله المال الذي جعل إيمانويل كانط رتيبا حتى التخمة. كان الفيلسوف الألماني هو أول الفلاسفة العظام الذين امتهنوا الفلسفة كمهنة. كان الرجل الذي لم يغادر المقاطعة التي ولد فيها طيلة حياته صاحب روتين صارم حتى قيل بأن جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم على جدوله اليومي. أهو المال الذي يجعل المرء هكذا؟ لا أعلم ربما. و لعله هذا ما جعل الفيلسوف الألماني الآخر شوبنهاور  ينتقد اتخاذ الفلسفة كمهنة. ربما أدرك بأن السعي وراء المال يحرق الأحلام و الفلسفة بدورها تحتاج إلى الحالمين الطموحين.

عشرون، ثلاثون،أربعون؟ كم هو عدد السنين التي يجب أن يقضيها الإنسان و هو يقوم تقريبا بنفس العمل يوما بعد يوم؟ نحن البشر أُعطينا القدرة على التعود، عندما نتعود تصبح الأمور أسهل و بالتالي نستطيع أن نستثمر مجهوداتنا على أمور أكبر، لكننا بدلا من ذلك نتعود كي لا نحتاج إلى أن نبذل أي مجهود. نقطة قوة البشر هي ذاتها نقطة ضعفهم. هل يتحتم علينا أن نصبح آلات تكرارية صماء. نعمل طيلة الشهر ليقوم صاحب العمل بوضع الزيت في مفاصلنا نهاية الشهر على شكل "مال" حتى نكرر العمل شهرا آخر؟ سنة أخرى؟ عقدا آخر؟ لو كان بإمكاننا لفعلنا ذلك عمرا آخر مادام المال لا يتوقف و مادام الجسد لا يتأفف.