الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

تجربة المشاركة في بطولة تكن 7 في الخبر

GAME IS NOT OVER” كانت هذه العبارة مكتوبة على جهاز طباعة إيصالات الدفع للمشاركة في بطولة تكن 7 في مقهى الألعاب بالخبر Versus، علمت فيما بعد بأن هذه العبارة تمثل الشعار الذي تبناه المقهى. كنت قد زرت المكان قبل شهر و نيف و لم يكن قد مضى على افتتاحه حينها أكثر من 3 أسابيع، على الرغم من انبهاري بالمكان و ترتيبه إلا أنه اذا ما استثنينا الموظفين الثلاثة فإنه لم يكن هناك في ذلك الوقت سوى 4 أشخاص في المكان، صارحني في ذلك اليومالشاب علاء كانو-و هو أحد الشركاء في تأسيس المكان- بأنه يطمح بأن يكون المقهى بمثابة النادي الذي يجمع محبي ألعاب القتال في المنطقة لسقل مهاراتهم ، وبأنه يأمل في تنظيم بطولات لألعاب مختلفة بشكل أسبوعي.
المشهد في هذه الليلة كان مختلفاً تماماً، المكان الذي كان هادئاً أصبح يضج بالزبائن الذين أتوا إما للمشاركة في البطولة أو لتشجيع أصدقائهم الذين اشتركوا. فبالإضافة للاعبين الذين سجلوا في البطولة عن طريق التسجيل الإلكتروني كان هناك كما بدا لي- آخرون أتوا للتسجيل المباشر في المحل نفسه. في نهاية المطاف كان هناك 47 متنافساً على ال1500 ريال التي تمثل مجموع الجوائز للبطولة.
جرت عملية التسجيل بسلاسة و أعطاني المحاسب إيصال الدفع و قد كتب عليه "اللاعب رقم 10"، نظرت إلى الساعة فكانت الخامسة و الربع، و بحسب الإعلان فإن التسجيل ينتهي في الخامسة و نصف لتبدأ البطولة في السادسة. تجولت في المكان و بدأت أراقب اللاعبين الذي أتوا قبلي و قد توزعوا على الأجهزة الخمسة و بدأوا في الإحماء للبطولة. رأيت أحد اللاعبين ينفذ كمبوات أكوما بإتقان فأسررت في نفسي "أتمنى أن لا يرميني الحظ في قبضتك". بشكل واقعي لم أكن أطمح في الفوز بالبطولة و لا حتى الوصول للمراكز المتقدمة، كنت أعلم يقيناً بأنني لست لاعباً جيداً لكنني على الأقل أفهم أساسيات اللعبة. كنت قد أخبرت أصحابي بأن هدفي من المشاركة هو الفوز في مباراة واحدة.
بعد عشر دقائق من الانتظار أتى أحد المنظمين و دعى اللاعبين الذين كانوا يقومون بعملية الإحماء للانتقال إلى جهاز آخر. و عندما سألوه عن السبب أخبرهم بأن البث على موقع Twitch قد ابتدأ و بأنالمنظمين يريدون أن يشغلوا البث حتى حين ابتداء البطولة. لم يكن أحد من اللاعبين متحمساً للفكرة و ظل صاحبنا يلح في السؤال " أقسم أن الجهاز لا يعض يا إخوان" من دون طائل. أشفقت على الرجل و قلتفي نفسي بأن هذه فرصة للإحماء فأنا لم ألعب اللعبة منذ ثلاثةأسابيع و تبرعت للمشاركة، ما إن جلست على الكرسي حتى تحمس لاعب آخر و انضم لي على البث المباشر. 
كانت قوانين البطولة تنص على أن يحضر كل لاعب عصا التحكم الخاصة به، لست ضليعا في ألعاب القتال و لم أمتلك أي لوحة تحكم خاصة و لم أكن أفهم السبب الذي يدفع بالاعبين المحترفين الذين أراهم في اليوتيوب لاستخدام مثل هذه اللوح، لكن إذا كان الكثير من المحترفين يستخدمونها فإنه يتحتم أن يكون هناك فائدة غابت عني. أحضرت معي عصا بلاي ستيشين 4 عادية، و حينما هممت بتعريفها على البلايستيشن وجدت بأن صاحبي الذي جلس بجوارييمتلك إحدى تلك اللوح الغريبة.
صافحت محمد أعتذر إذا تذكرت اسمك بشكل خاطئ- و تمنيت له حظاً موفقاً. اخترت الشخصية الوحيدة التي ألعب بها (باولو اختارهو (شاويو)، و بينما كنا ننتظر بدأ المباراة مازحني بالقول "معروف أن باول شخصية غشاشة". ابتدأت المباراة بقوة و هاجمته بدون هوادة حتى حكرته عند الجدار و أجهزت عليه و انتهت الجولة بسرعة. تكررت العملية في الجولة التالية، لم يكن محمد يغضب وكان يتقبلالخسارة بروح مرحة و كان يذكرني بعد كل جولة بأن (باول) شخصية غشاشة و بأنه علي أن أخجل من اختياري له.
ارتفعت ثقتي بنفسي و فكرت بأنه ربما أستطيع الفوز بأكثر من مباراة، لعبنا لوقت لطويل واستطاع أن يستلب مني بضع مباريات في نهاية المطاف. سألت محمد إن كان مرتادي المكان فأخبرني بأنه يزورVersus ثلاث مرات في الأسبوع ولكنه لا يقتصر على لعب تكن، فهو يستمتع بلعب أوفروتش و مورتال كومبات كما أنه يشارك في ألعاب الطاولة التي تقام في المكان. بعد مدة نظرت للساعة فإذا هي السادسة مساءً، استأذنت من محمد و تركته. نظرت من حولي فرأيت أن مبارياتي مع محمد كانت تعرض على الشاشتين الضخمتين في المكان عن طريق البروجيكتور.
لسببٍ ما تأخر ابتداء البطولة إلى ما يقارب الساعة السابعة و نظراًللإقبال الكثيف على البطولة كانت تجرى المباريات بشكل متاوزٍ على 6أجهزة، و يتم اختيار إحدى المباريات ليتم عرضها على البث. لم تكن عملية إعلام اللاعبين بحلول وقت مباراتهم تجري بشكل بسلس، كان علاء يجوب المكان و هو ينادي بأسماء اللاعبين المشاركين، و لم تكن تلك بالمهمة السهلة نظراً للإزعاج في المكان. وبما أن اللاعبين كانوا يستخدمون أسماءً مستعارة فإن علاء كان يواجه تحدياً آخر في قراءة الاسماء. بسبب كثرة المشاركين و محدودية الأجهزة المخصصة للبطولة، لم يحالفني الحظ للمشاركة في أي من المباريات الستة التي أقيمت وكان علي أن أنتظر حلول دوري بعد انتهاء هذه المباريات.
واصلت الانتظار حتى الساعة السابعة و نصف عندما تم النداء باسمي، توجهت نحو الجهاز المخصص لمباراتي. سألني خصمي إن كان لدي أي اعتراض على اختياره للجهة لليسرى فقلت له إن الأمر سيان بالنسبة إلي. بمجرد ابتداء المعركة بدا واضحاً لي أن هناك تأخير في الاستجابة lag ، لا أعلم إن كان السبب هو البلايستيشن أم الشاشة أو عصا التحكم الخاص بي، لكن الجلي بالنسبة لي هو وجود تأخير في الاستجابة وهو ما أزعجني بعض الشيئ. فزت في المباراة الأولى و لكن نظام البطولة يحتم عليك الفوز في مباراتين  لتعتبر الفائز. دخلنا المباراة الثانية بنفس اللاعبين أنا ب (باول) الغشاش و خصمي ب (جين)، قبل ابتداء المباراة الثانية أخبرته بأنه هناك مشكلة ما تسبب تأخيرا في الاستجابة لكنه لم يشاركني رأيه في الموضوع، خمنت أنه ربما لم يلاحظ التأخير أو أن التأخير لم يمسه، على أية حال استكملنا المباراة الثانية و هزمته بشكل مقنع، تنفست الصعداء عندها فبهذا الفوز أكون قد حققت انتصاراً واحداً لكن شيئاً بداخلي لم يكن راضياً فكنت أشعر بأنني كنت محظوظاً و لم أحض بخصم قوي، لكن في النهاية يظل الانتصار انتصاراً.
بينما كنت في انتظار مباراتي القادمة صادفت صديقي محمد الذي أجريت معه الإحماء في البداية، سألته عن وضعه فقال إنه فاز في مباراته لكنها كانت صعبة، فبالإضافة لخسارته المباراة الأولى كان خصمه قد جلب معه مجموعة من المشجعين الذين كانوا ينالون منه و يشدون من عزيمة صاحبهم، لكنه على الرغم من ذلك فقد تمكن من الفوز في المباراتين التاليتين ليحقق انتصاره الأول. 
و بالحديث عن المشجعين يبدوا أن عدداً كبيراً من المشاركين كانوا قد أتوا إلى البطولة بشكل جماعيلاحظت وجود جماعة كبيرة متحزبة في إحدى أركان المكان قوامها أكثر من 15 شخصاً ولا أحسبهم جميعا أتوا للمشاركة، هذا يعني بأن هناك من تجشم عناء الطريق إما ليشجع أصدقائه أو فقط بغية الاستمتاع بمشاهدة بعض المباريات على الشاشة العملاقة وسط الجمهور. وجدت لنفسي مكاناً على إحدى الكنبات الموجودة في المكان و انضممت لمجموعة المتفرجين، كان الجو مفعما بالحماس و الجمهور يتفاعل مع كل ريج آرت Rage Art كما لو كانت نهائي كأس العالم.
لم يدم انتظاري طويلاً و تم استدعائي لمباراتي الثانية بعد وقت قصير من جلوسي، وجهني علاء للجهاز الذي يستخدم للبث المباشر على تويتش، استبشرت بذلك لأني لم أواجه أي تأخير في الاستجابة عندما استخدمت هذا الجهاز وقت الإحماء، لكن هذه السعادة لم تدم عندما رأيت اختيار منافسي لشخصيته (كوما). توجست لمجرد رؤيتي لكوما فلم يسبق لي أن لعبت ضد كوما و لا أمتلك أدنى فكره عما يستطيع فعله، حاولت الابتعاد عن التفكير في شخصيته و التركيز على شخصيتي، كل ما علي فعله هو مواصلة الضغط و لن يتمكن حينها من لعب شخصيته.
بدأت الجولة الأولى كما في الخطة و تمكنت من الإيقاع بالدب و تنفيذ كمبويين حسمتا الجولة لصالحي، حسناً كل شئ يجري بشكل جيد حتى الآن، أحتاج للمواصلة على هذا المنهاج و سيكون الفوز من نصيبي. لا أعلم إن كان خصمي يحاول قراءة أسلوبي في الجولة الأولى أو أنه لم يكن في أوج تركيزه لكن ما أعلمه هو بأن الذي تبع تلك الجولة كان أقل ما يمكن وصفه به هو مجزرة اختتمت بجولة مثالية Perfect، نعم عزيزي القارئ كانت مجزرة تم فيها ذبح باولالغشاش و سلخه أمام الجمهور.
صافحت خصمي و رجعت لمكاني على الكنبة بين الجمهور بعد الهزيمة المذلة، كنت منزعجاً من أدائي في المباراة، كانت تحركاتي بطيئة و مكررة، و بعد أن خسرت جولتين، تسلل الخوف إلي وتوقفت عن الهجوم و أصبحت ألعب بشكل دفاعي مما أعطى خصمي الحرية التامة في الضغط علي. كنت أنظر إليه و أعلم ما يتوجب عليه فعله لكنني بدلاً من استغلال الفرص كنت أقف في مكاني منتظرا لكمته التالية. لاشك بأن خصمي كان متمكناً من اللعبة أكثر مني لكنني كان بإمكاني أن أقدم عرضاً أفضل لو أنني حافظت على هدوئي و لعبت كما ألعب في العادة. هذه الخسارة لا تعني خروجي من البطولة فكل لاعب يمتلك فرصتين لنيل اللقب.
في أثناء جلوسي، سألني الشخص الذي بجواري إن كنت من المشاركين في البطولة، أخبرته بأن مباراتي للتو عرضت على الشاشة التي أمامه، قاطعني بحماس "أنت باول اللي تسطر؟".
عرف الرجل بنفسه بأنه عبد الله -أيضا أعتذر إن تذكرت اسمك بشكل خاطئ- و هو أخ لأحد مؤسسين المكان و بأنه لا يلعب تكن و إنما جاء للاستمتاع بالجو و المباريات. سألني عن رأيي بالحدث فأجبته بأن الجو و المكان رائعين و بالرغم من وجود بعض الأمور التنظيمية التي يمكن تطويرها، إلا أن ذلك أمر يمكن تفهمه نظراً لعدم تواجد خبرة كبيرة في تنظيم مثل هذه البطولات في المنطقة. تحدثنا مطولاً عن تعطش اللاعب السعودي لمثل هذه البطولات و بأنه و بسبب البنية التحتية للانترنت فإن اللاعب السعودي يجد صعوبة في تطوير مهاراته اونلاين، فتصبح مثل هذه التجمعات هي المتنفس الوحيد له. أخبرني أيضا بأن المكان كان قد أجرى بعض البطولات في السابق لكن هذه البطولة كانت الأكبر على مستوى الإقبال و بأنها المرة الأولى التي يتم فيها بث المباريات بتعليق عربي.
تم النداء باسمي و توجهت للجهاز مع خصمي، لحسن الحظ لم يتم اختيار مباراتنا لتعرض أمام الجمهور. لم أكن مستعداً للمزيد من الفضائح. اختار خصمي (كنج)، مع أن كنج يمتلك بعض الكمبواتالمزعجة إلا أنها كانت مألوفة لدي. ابتدأت الجولة الأولى و فزتبسهولة، في خضم الجولة الثانية تمت مقاطعة المباراة من قبل شخص كان يحاول الدخول على الجهاز عن طريق عصا التحكم اللاسلكية الخصة به، و كانت هذه إحدى التحديات الكبيرة التي واجهت المنظمين. على الرغم من أن تعليمات البطولة نصت على أنه يتوجب على كل لاعب أن يقوم بفصل عصا التحكم الخاصة به من الجهاز فور فروغه من المباراة، إلا أن الكثير من اللاعبين كان ينسى القيام بهذا العمل مما يتسبب في عرقلة المباريات اللاحقة على نفس الجهاز في حال تم تشغيل هذه العصا بشكل عفوي.
انتظرنا بعض الوقت حتى أدرك الشخص المعني بالعصا خطأه و قامبعملية فصل عصاه من الجهاز، و بما أنه لم يكن بوسعنا إيقاف المباراة فلم يتبق من وقت الجولة إلا ثوانٍ معدودة، كانت نقاط حياتيحينها أقل من خصمي. استغل خصمي هذه الفرصة و ولى هاربا حتى نهاية الجولة ليربحها. كنت واثقاً من قدرتي على الفوز و لم أشأ أن أعترض على الذي جرى و أكملت المباراة. في النهاية تمكنت من تحقيق انتصاري الثاني بدون صعوبة. 
فور انتهائي من المباراة هنأني رفيق الإحماء محمد على الفوز، سألته عن وضعه في البطولة فقال بأنه خسر مباراته الثانية و هو في انتظار مباراته القادمة. تحدثنا عن البطولة و صارحني بانذهاله بمستوى اللاعبين المشاركين " كنت أحسب بأنه كانت لدي فرصة في الفوز، لكن من الواضح أنه يجب علي أن أتدرب أكثر حتى أصل للمستوى المنشود". و بينما كنا نتحدث دعاني عبد الله للمشاركة في لعبة طاولة، اعتذرت عن المشاركة بسبب ارتباطي بالبطولة فلا أعلم موعد مباراتي القادمة لكنني وعدته بالمشاركة مستقبلاً.
كان عدد اللاعبين قد تقلص الآن و لم يدم انتظاري طويلا قبل حلول وقت مباراتي. دخلت المباراة ضد (هيهاتشيو تمكن خصمي من الفوز في المباراة الأولى 1-3، دخلت المباراة الثانية و كلي عزيمة فيالفوز، استطعت أن أجد نمطاً في لعبه، افتتاحية بركلة سفلية لإسقاطي متبوعة بكمبو، إنه يحب أن يبتدأ بهذه الركلة إذا كانتالمسافة بيننا كبيرة. تمكنت من استغلال هذه النقطة و استلبت منه جولتين. النتيجة الآن 2-2، يتحتم علي الفوز بهذه الجولة إذا ما أردت أن أدفع المباراة للمباراة الفاصلة، كانت الجولة حامية و تخللها أخطاء من الطرفين، ابتعدت عن خصمي و أتى مسرعاً، علمت أن لحظتي قد حانت لصد ركلته السفلية و الشروع بهجوم مضاد لإنهاء المباراة، ها هو يتقدم... النمط ذاته ... التجهيز للركلة ... انحنيت لصد ركلته في اللحظة الأخيرة .... الركلة ..... الركلة كانت للأعلى، الركلة التي أخرجتني من البطولة.
خصمي كان ذكياً أيضاً، طوال المباراة كان يوجه الركلة للأسفل ليطبع هذه الفكرة في رأسي، لكن في اللحظة الحاسمة و عندما وجد بأنه قد ولد هذا الانطباع لدي، وجه الركلة للأعلى.
هنأت خصمي و تمنيت له حظاً موفقاً، على الرغم من خروجي من البطولة إلا أنني كنت راضياً عن أدائي في هذه المباراة. لا أعلم إن كانت ستتاح لي فرصة للعب مرة أخرى مع Get_Lostt لكنني أتمنى ذلك فعلاً.
كنت أتمنى لو كان بمقدوري الجلوس و انتظار نهاية البطولة، لكنه كان يتوجب علي أن أذهب لمكان آخر، بحثت عن محمد لأسأله عن وضعه فرأيته منهمكا في لعبة الطاولة برفقة مجموعة من الشباب من ضمنهم عبد الله، علمت حينها بأنه أيضاً قد خرج من البطولة لكن الخروج من البطولة لا يعني توقف اللعب .... GAME IS NOT OVER

الجمعة، 23 يونيو 2017

مراجعة رواية حدائق القمر Gardens of the Moon


اسم الكتاب: "حدائق القمر"، الكتاب الأول من سلسلة "كتاب مَلَزَان للذين سقطوا"([1]) ([2])
الكاتب: ستيفن إريكسون

المترجم: لا يوجد


صفحات النسخة الأصلية بالإنجليزية: 712 من الحجم المتوسط
ترجمة الكاتب:
"ستيفن إريكسون" هو اسم القلم للكاتب الكندي الجنسية "ستيف رون لوندين". ولد ستيفن في عام 1959م في مدينة تورنتو وهي أكبر مدينة من حيث تعداد السكان في كندا كما تعتبر من أكثر المدن تنوعاً ثقافياً إذ أن المدينة تستضيف أكثر من 230 عرقاً. وقد يكون هذا التنوع الثقافي أحد الإلهامات التي حفزت إريكسون للكتابة في الرواية الفنتازيا. فما إن بلغ العشرين من عمره حتى شرع في كتابة أول عمل فنتازي له. لم يكن طريق إريكسون نحو النجاح محاطاً بالزهور، فالعمل الذي كتبه في بداية حياته الفنية، وصفه هو بأنه "رواية فانتازيا سيئة". انخرط بعدها ستيف في دراسة علم الآثار والأنثروبولوجيا وقضى بعدها 20 موسماً في الساحة وهو يقوم بالتنقيب ودراسة الآثار في كندا. وكان لعمله في هذا المجال الفضل الأكبر في بلورة فكرة صنع عالم ملزان والقوانين التي تحكمه، ففي أثناء عمله في الساحة تعرف ستيف على "إيان كاميرون إسلمونت" وهو عالم آثار كندي أيضاً ونمت صداقتهم فكانا يقضيان النهار في دراسة الأثار والليل في صناعة شخصيات للعبة تقمص أدوار على الألواح([3])، وكان هذا هو الأساس الذي بُنِي عليه العالم الافتراضي للسلسلة. بعد الانتهاء من كتابة قصة الشخصيات والعالم الذي تدور فيه هذه الأحداث، قاما بعرض السيناريو الأساسي ل "حدائق القمر" على مخرجي الأفلام لكن الحظ لم يحالفهما فكان الرد الذي أتاهم "جربا شيئاً أكثر بساطة. شيئاً مثل الذي جربه البقية، شيئاً ... أقل طموحاً"، بهذه الكلمات تم وضع نص "حدائق القمر" على الرف.
 في أثناء استكماله لدراسة الماجستير في علم الآثار قرر إريكسون أن يغير مسار عمله ويلتحق ببرنامج للكتابة ليتفرغ كلياً لها. بعد إنجازه لبعض المشاريع الكتابية قام إريكسون بإعادة كتابة حدائق القمر وإضافة الكثير من التفاصيل لتصبح رواية متكاملة بدلاً من أن تكون نصاً سينمائيا. حاول الكاتب نشر الرواية في 1991م عن طريق عرضها على دور النشر لكنها كانت تجلس عدة أشهر عند دار النشر لتعود إليه برسالة اعتذار. تطلب الأمر 8 سنوات وانتقال الكاتب من كندا إلى بريطانيا لنشر الطبعة الأولى لـ "حدائق القمر" وذلك في عام 1999م وتبعها 9 كتب لإتمام سلسلة "كتاب ملزان للذين سقطوا".
حدائق القمر:
"الآن وقد برد هذا الركام، الآن نفتح الكتاب العتيق.
هذه الصفحات الملطخة
بالزيت تحكي قصص الذين سقطوا، إمبراطورية منهكة، وكلمات بلا دفء. لقد خمد الموقد! لم يبق من بريقه وشرره إلا ذكريات ِلعينٍ باهتة. ما الذي يطرق بالي؟ ما الذي يصبغ أفكاري وأنا أفتح كتاب الذين سقطوا وأتنفس عبق التاريخ؟
 أنصت إذاً لهذه الكلمات المحمولة على ذلك النفَس.
هذه القصص هي قصصنا أجمعين، حينا بعد حين.
نحن تجسيد التاريخ ولا أكثر من ذلك، حتى الأزل ولا أكثر من ذلك."
بهذه الكلمات المهيبة يفتتح ستيفن إريكسون أحد أضخم أعمال الفانتازيا العالية ([4]) في العصر الحديث. وبدون أي مقدمات يجد القارئ نفسه في قلب "أُونتا" -عاصمة الإمبراطورية الملزانية- والنيران تشتعل في مباني المدينة لسبب ما. يتضح سريعاً بأن الإمبراطور قد مات في ظروف غامضة ليتسلم مقاليد الحكم من بعده قائدة المخالب -فرقة من الجنود المدربين على تنفيذ الاغتيالات- لتصبح الإمبراطورة "لاسين" الإمبراطورة الثانية للإمبراطورية الملزانية وذلك في عام 1154 ن.ب([5]) الموافق السنة 94 منذ تأسيس الإمبراطورية. أول أوامر "لاسين" هو منع مزاولة السحر لغير المرخص لهم مما يتسبب في أعمال شغب داخل العاصمة. ظاهرياً، تواصل "لاسين" السياسات التوسعية للإمبراطورية. فتكمل مسيرة الفتوحات في القارة "جناباكيس"، لكن بخلاف الفتوحات السابقة فإن "دارويجستان" وهي المدينة الأخيرة في هذه القارة تشكل عقبة كبيرة على الإمبراطورية وذلك لتدخل أبناء العرق المعمر "التيستا أندي" بقيادة ابن الظلام "أنوماندوريك" على متن قلعته الطائرة "مونزسبون" في القضية وعقده لتحالف مع خيميائي المدينة "باروك" لوقف الإمبراطورية عند حدها. ويزداد الأمر تعقيداً بالتدخل الغريب لإله الحظ "أوبون" ودخوله اللعبة السياسية.

إذا كنت تشعر(ين) بأن السطور السابقة مربكةً نوعاً ما فهذا هو الشعور الذي لازمني خلال ال 500 صفحة الأولى للكتاب، لم تنقشع هذه الضبابية إلا في الربع الأخير من الرواية. وقد كان الكاتب على علمٍ بهذا التحدي الذي سيواجه القارئ أثناء قراءته للرواية. وقد كان بمقدوره أن يسهل هذه الصدمة عن طريق تقديم مقدمة عن عالم ملزان وشرح القوانين التي تحكمه في مطلع الكتاب وسرد الأحداث المؤدية ل "حدائق القمر" لكنه امتنع عن ذلك لثلاثة أسباب. السبب الأول هو بأن "حدائق القمر" هو الكتاب الأول من السلسلة وكان الكاتب يريد أن يوضح المنوال الذي ستسير عليه السلسلة وليس من العدل -في نظر الكاتب- أن يخادع القارئ في كتابه الأول قبل أن يصدمه في الكتب المتأخرة. السبب الثاني هو طبيعة العمل المقدم. سلسلة "كتاب ملزان للذين سقطوا" هو في واقع الأمر سرد تاريخي من وجهة نظر الأشخاص المشاركين فيه، وكما يقول إريكسون ليس هناك بداية للتاريخ، مهما حاولت أن توضح الأمور فأنت ستضطر في الأخير لاختيار نقطةٍ ما تقص من خلالها الأحداث. السبب الثالث هو إيمان الكاتب بقدرة القارئ على الربط والاستنباط من دون الحاجة للتلقيم المباشر ولسان حاله هو بأنك إذا أردت أن تكتب في الفانتازيا العالية فعليك أن تذهب إلى أقصى الحدود وألا تقبل بالوسطية.
تكافئ الرواية القارئ في آخر المطاف، ففي الصفحات الأخيرة للرواية تحل القضية الأساسية للرواية بشكل رائع، كما يقوم الكاتب بإغلاق أغلب القصص الجانبية بشكل مقنع بدلاً من ابقائها معلقة كما في بعض المؤلفات التي تتخذ أسلوب السلسلة ([6]). مع ذلك تبقى هناك بعض الألغاز التي لا تحل مع نهاية الكتاب لتعطي القارئ الخيار في استكمال السلسلة في حال اقتناعه بها.

أسلوب الكاتب:
سأحاول في هذا القسم تقييم الكتاب من ثلاث نواحي: بناء العالم، بناء الشخصيات، الحبكة.
بناء العالم:
                     الكتاب يقدم خرائط لأماكن وقوع الأحداث.
أحد أهم أركان الفانتازيا العالية هو العالم الذي تدور فيه أحداث الرواية.  تدور أحداث "حدائق القمر" في عالم يحوي أعراقاً متعددة بالإضافة إلى العرق البشري. على الرغم من أن السحر يبدو متاحاً لجميع الأعراق، إلا أن بعض الأعراق تمتلك قوى سحرية أكثر من غيرها. لا يتم إيضاح طريقة عمل السحر بشكل كامل في حدائق القمر، نعم يتم عرض الطريقة التي ينتهجها السحرة لممارسة السحر لكننا لا نعرف كيف يتولد السحر أو ما هي حدوده. ولعل مرجع هذا الغموض هو جهل أغلب السحرة بكيفية عمل السحر كما يجهل أغلب قائدي السيارات كيفية عمل السيارة. على الرغم من أنني كقارئ أردت أن أعرف أكثر عن طبيعة عمل السحر إلا أنني أعتقد بأن ذلك سيتكشف في الكتب التالية. إذا تجاهلنا القوى السحرية فإن التخطيط العسكري يعتمد على الأسلحة التقليدية كالسيوف والرماح والنبال مع إضافة بعض العناصر الحديثة كالمتفجرات والألغام بشكل محدود.


بما أن أغلب أحداث "حدائق القمر" تدور في القارة "جناباكيس"، لا يتم عرض العالم الذي تعيش فيه الشخصيات بالكامل، أو تبيين الحجم الفعلي لهذا العالم. يتم في بعض الأحيان الإشارة لحروب وأحداث جرت في أماكن خارج "جناباكيس" لكن الكتاب لا يزودنا بالمعلومات الكافية لمعرفة تفاصيل هذه الأماكن. بالإضافة للعالم الذي تعيش فيه الغالبية العظمى من الشخصيات، هناك عوالم موازية يسكنها الآلهة وأعراق أخرى ولكن أيضاً مثل العالم الواقعي لا يتم شرح طبيعة هذه العوالم. أما بالنسبة لتاريخ هذا العالم فمن الواضح أنه عريق جداً فبعض الشخصيات في هذا العالم يبلغ عمرها مئات الآلاف من السنين.
بشكل عام أعتقد أن إريكسون نجح في بناء عالم ضخم مليء بالأعراق والتاريخ وقد نجح في توضيح الأساسيات التي تحكم هذا العالم بالقدر الذي تتطلبه "حدائق القمر" ولا شك أن إريكسون سيواصل عرض هذا العالم والقوانين التي تحكمه في الكتب اللاحقة.

بناء الشخصيات:
عندما تُقْدِم على صنع عالم بضخامة العالم الذي صنعه إريكسون وإسلمونت فإنك ستواجه تحدياً حقيقياً في إعمار هذا العالم. الكتاب لا يخجل من مواجهة هذا التحدي، فبالإضافة للبشر هنالك ما لا يقل عن 10 أجناس أخرى تتواجد في عالم "ملزان"، ناهيك عن الأقوام التي انقرضت قبل أحداث "حدائق القمر". لكن التحدي لا يكمن في ملء هذا العالم بأجناس مختلقة بل في بناء الشخصيات المتواجدة في هذا العالم.
تصوير للأجناس الموجودة في عالم ملزان قام برسمه أحد المعجبين بالكتاب. المصدر: https://goo.gl/nb2LhT
تقليدياً، كان كتاب الفنتازيا العالية شغوفين بتقسيم العالم إلى أخيار وأشرار ([7]) إذ تعطي هذه التقسيمة الكاتب ثلاث ميزات. أولاً: هذه التقسيمة تعطي الكاتب مجالاً من الحرية للتفنن في إبراز الأمور الخارقة من دون الوقوع في أزمات أخلاقية. فعند عرض الطرف المعادي للشخصية البطلة على أنه الشر المطلق، لن يتساءل القراء عن السبب الذي دفع بالبطل الخير على استحضار تنين ليهلك آلاف الأشرار بنيرانه، فهؤلاء الأشرار المحض لا يمكن محاكمتهم أو التفاوض معهم بالطريقة التقليدية. الميزة الثانية التي يقدمها نموذج الخير والشر هو السهولة في بناء الشخصيات، فالقارئ يعلم سلفاً بأن هذه الشخصية الخيرة ستتصرف على نحو متوائم مع قيم الخير في حال مواجهتها لاختبار ما، هذا يعني بأن الكاتب سيصوب جهوده في بناء العالم والحبكة من دون الحاجة لإرهاق نفسه كثيراً في بناء الشخصيات. ثالثاً: هذا النموذج يقدم أرضاً خصبة لبناء الشخصيات باتباع ما يمكن تسميته بأسلوب النقائص. يعتمد هذا الأسلوب على تقديم نموذج معين للشخصية -كالشخصية الطيبة مثلاً- مع فارق إضافة بعض صفات النقصان عليها. فهذا بطل طيب وقوي لكنه لا يستطيع السيطرة على قواه، وآخرٌ يشعر بالعجز لأنه لم يستطع الدفاع عن عائلته، وهنالك الطيب الذي أصبح يتصرف بصفات شريرة بعد أن تم إفساده بطريقة سحرية من قبل الأشرار. بهذه الطريقة يستطيع الكاتب بناء شخصياته بسهولة من دون الحاجة لإعطاء مقدمات طويلة. فتصبح عملية بناء الشخصيات هي في البحث عن سبب هذا النقصان.

على الرغم من جاذبية نموذج الخير والشر لكل من أراد أن يكتب فانتازيا عالية، إلا أن "إريكسون" لم ينتهج هذا الأسلوب في روايته. هناك أكثر من 120 شخصية يتم ذكرها بالاسم في "حدائق القمر" لكن مثل أي رواية أخرى يتم تتبع بضع شخصيات، والقارئ يرى الأحداث من خلال أعين هذه الشخصيات. نعم، بعض هذه الشخصيات يمتلك ما يمكن أن نسميه قيماً فاضلة أكثر من غيرها لكن من الإجحاف أن يتم تصنيف ذلك القاتل المأجور على أنه شخصية طيبة لأنه قرر حماية أصدقائه.
يقوم إريكسون ببناء شخصياته باتباع السبل التقليدية مثل التحدث عن ماض الشخصية، تقديم العقبات وطرق تغلب الشخصيات عليها، المصارحة ما بين الشخصيات، والمنولوجات الداخلية، ينجح الكتاب في تقديم بعض الشخصيات التي قد يهتم لمصيرها القارئ لكن ما بين بناء العالم وشرح القوانين التي تحكمه وبناء حبكة القصة، هناك حد للقدر الذي يمكن فيه بناء شخصيات "حدائق القمر" من دون أن يتململ القارئ. في النتيجة، بناء الشخصيات في "حدائق القمر" تأثر على حساب بناء العالم والحبكة فبعض الشخصيات تبدو مكررة مثل "ويسكيجاك" و "دوجيك ذو العين الواحدة" وهما مثالان للقائد العسكري الرجولي وبعضها الآخر يبدو نمطياً جداً كـ "كويك بن" وهو ساحر ذكي جداً لكن ذكاؤه وشغفه المعرفي يوقعه في المشاكل دائماً.

الحبكة:
تجب الإشادة بإريكسون في الطريقة التي تعامل فيها مع الحبكة في "حدائق القمر". فعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف الرواية والضبابية الناتجة عن أسلوبه في الدخول لقلب الحدث من دون مقدمات إلا أنه استطاع أن يقدم كتاباً متكاملاً من حيث حله للعقدة الأساس ألا وهي محاولة فتح الإمبراطورية الملزانية لمدينة "دارويجستنان". بدلاً من التركيز على الجانب الاستراتيجي والعسكري للعملية، يقوم الكتاب بعرض تفاصيل هذه العقدة من وجهة نظر عدة شخصيات معايشة للقضية. فمنهم لص من داخل المدينة يقع في هيام ابنة أحد النبلاء التي سرق عقدها وهي نائمة في غرفتها، وقاتل محترف يحاول مع صديقه المحتال أن يعيدا أحد أصدقائهم إلى مكانته القديمة بعد أن فقدها نتيجة لمؤامرة سياسية، وقائد فرقة من الجيش الملزاني تساوره الشكوك حول نية الإمبراطورة في التخلص من فرقته. وغيرها من الشخصيات التي تدفع القصة إما بشكل مباشر أو عرضي نحو لحظة الحسم عندما تتكشف كل خيوط اللعبة بأسلوب ملحمي في ليلة واحدة.
يعود بعدها الكاتب في ختام الكتاب لدغدغة مشاعر القارئ طارحاً بعض المصائر المجهولة ويبدأ في خلق عقدٍ جديدة تمهيداً للكتاب القادم، ففي نهاية الكتاب يتم حل عقدة "دارويجستان" ويبقى الخيار للقارئ إذا ما أراد أن يعرف أحداث ما بعد دارويجستان، تاريخ الإمبراطورية ، مصير وتاريخ الشخصيات، فعليه مواصلة قراءة باقي سلسلة "كتاب ملزان للذين سقطوا".

المراجع


Fantasy Book Review. (n.d.). Authors: Steven Erikson. Retrieved from http://www.fantasybookreview.co.uk/Steven-Erikson/biography.html
Lovatt, R. (2014, April 10). Interview with Steven Erikson. Retrieved from The Arched Doorway: http://archeddoorway.com/2014/04/10/interview-with-steven-erikson/
Pittsburgh Post-Gazette. (2014, October 19). Toronto: 'most multicultural city in the world'. Retrieved from http://www.post-gazette.com/newimmigrants/2014/10/19/Toronto-bills-itself-as-the-most-multicultural-city-in-the-world/stories/201409260206





(1) توجد صعوبة في ترجمة اسم السلسة "Malazan Book of the Fallen" ومكمن هذه الصعوبة هو تعدد المعاني المرتبطة بكلمة Fall. بالإمكان رصد 3 معان على الأقل لهذه الكلمة. أولاً: الكلمة قد تعني السقوط بمعناه الفيزيائي مثل سقوط أوراق الشجر، وأستبعد أن يكون هذا هو مقصد المؤلف. ثانيا: السقوط بمعناه الأخلاقي كما يقال في العربية بأن فلان ساقط، أي منحل الأخلاق. وهذا المعنى ممكن أن يرمز له المؤلف كدلالة على عدم أخلاقية الإمبراطورية الملزانية، فيصبح العنوان "كتاب ملزان للساقطين". ثالثاً: السقوط في المعركة أي الموت فيها، وهذه هي الترجمة التي اخترتها. ويزداد الأمر إرباكاً إذا ما علمنا بأن Fallen  وهي  التصريف الثالث ل Fall تأتي للإشارة للمفرد والجمع. فقد تكون الترجمة الصحيحة هي "كتاب ملزان للذي سقط" في إشارة إلى الإله المقيد الذي نزل إلى العالم.
(2) يقال بأن نابليون بونابارت كان لديه كتاب بعنوان مماثل Book of the Fallen يدون فيه أسماء الذين قتلوا أثناء الحروب النابليونية. لكنني لم أتمكن من التحقق من دقة هذا الزعم.
(3) لعبة تقمص أدوار على الألواح Table-Top Role Playing Game وهو نوع من الألعاب يقوم فيه اللاعبون بصنع شخصيات خيالية وتكوين بيئة افتراضية للعب.
(4) فانتازيا عالية High Fantasy  هو مصطلح يطلق على الفانتازيا التي تدور رحاها في عالم غير العالم الحقيقي المعاش، ويحكم هذا العالم قوانينه الخاصة. ويقابله الفانتازيا الدنيا Low Fantasy  وهي فانتازيا تدور أحداثها في العالم الحقيقي المعاش مع إضافة بعض الأمور الخارقة مثل السحر ونحوه.

(5) ن.ب ترمز ل "نوم برن" وهو أحد الأنظمة المستعملة لتأريخ الأحداث في عالم ملزان.
(6) أنظر "رقصة مع التنانين" وهو الكتاب الخامس من سلسلة "أغنية الجليد والنار" المطبوع في عام 2011 وقد ختمه "جورج ر. ر. مارتن" بعلامة استفهام كبيرة، والأدهى من ذلك أن الكاتب لم يتمكن من الانتهاء من الكتاب التالي للإجابة عن هذا السؤال حتى وقت كتابة هذا المقال.
(7) أنظر "سيد الخواتم" و "الهوبيت" لرائد الفنتازيا العالية الإنجليزي "جون ر. ر. تولكين".

الجمعة، 28 أبريل 2017

باب ما جاء في روبوت سكارليت جوهانسون

يقرأ في الجريدة بأن رجلا من كوريا الجنوبية صنع روبوتا آليا على صورة ممثلة شابة في هوليود. المخترع الكوري رفض أن يصرح باسم الممثلة لكن الروبوت هو نسخة كربونية من الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون. "ريكي ما" قام بتصنيع الروبوت من الصفر بعد أن أنفق خمسين ألف دولار من ماله الخاص على المشروع ليعلم نفسه و هو في منتصف الأربعينيات من العمر صناعة الروبوتات. أغلق الجريدة و سرح في خياله متسائلاً عن السبب الذي يدفع برجل أربعيني للجد في تعلم صنعة جديدة لإنتاج رجل آلي، ياله من ضياع لوقت و مال المرء!

 ما كاد ينتهي من لملمة هذا الحكم على الرجل حتى برقت في ذهنه خيوط من ذكرى قديمة تجلت بوضوح أمامه، فها هو يرى نفسه مرتديا شال التخرج من الجامعة يحدث أقرانه عن خططه و طموحاته، هو لم يكن من الذين لا يفارقون مكتبة الجامعة أو من الذين يصلون الليل بالنهار في الدراسة، في الواقع كان -كما هو الآن- لا يسعى لتحصيل أكثر من الحد الأدنى من كل شئ. مجرد الزعم بأنه في يوم ما قد أتعب نفسه ليتثن شيئا ما هو زعم لا يخلو من المبالغة لكنه حينها وبالرغم من كل شئ كان مليئا بالآمال. بإمكانه أن يرى ذلك في الطريقة التي كان ينتقي فيها عباراته، كانت محادثاته لا تخلو من ألفاظ مثل: وعي، ثقافة، نشر، سعي، اجتهاد، بحث، تكافل، شباب، خطوات، تطور ....... و غيرها من العبارات الاستنهاضية الجادة. 

هي نفس العبارات التي يسمعها الآن من نجوم شبكات التواصل الإجتماعي ممن تغمرهم روح الشباب. نعم يمكنه أن يرى ذلك جيدا لكنه لا يستطيع تحديد اللحظة التي غادرته فيها تلك الروح. هل كانت مع أول تقيم له في العمل؟ أم كانت مع أول حادث مروري لسيارته الجديدة؟ أم مع أول دفعة إيجار لمسكنه؟ أو لعلها مع أول خصلة شعر فضية في رأسه. ربما لم تكن هناك لحظة واحدة، ربما هو تتابع المشاريع التي خطط لها ثم أجهضها، أو تكرار الفشل في تقويم عادات أراد عدلها، أو ربما هو أزلية الصيانة على طريق المؤدي لمقر عمله. أو ربما لم تكن تسكنه تلك الروح أصلا و إنما هي نوستالجيا الذكريات تجمل ماضيه، أو ربما لم تفارقه الروح أصلا و لكنه و كما هي العادة فيمن استقرت بهم الحياة فإنه يبالغ في إظهار التذمر و الشكوى.

مرت هذه الخاطرة بتتابع سريع في ربع دقيقة، تذكر حينها إحدى مشاريعه التي دفنها منذ سنين، قد يكون من الجيد العودة للكتابة في هذا الوقت، الكتابة بخلاف الشطرنج و برمجة الإلكترونيات و العزف على الطبول و صناعة السيارات و غيرها من المهارات التي قرر في أوقات متافوتة تبنيها ثم ما لبث أن تبرأ منها، هي -كما كان يقنع نفسه- لا تتطلب مجهودا حقيقيا لإتقان الحد الأدنى منها. كل ما عليه فعله هو النقر على بعض أزرار لوحة المفاتيح ثم يقنع نفسه بأن هذا عمل مرض و بأنه لو ابتغى ان يتقن هذا العمل لفعل لكنه لا يريد ذلك لأنه ....... لا يوجد سبب لفعل لذلك.

 نعم ربما يجب عليه أن يعاود الكتابة و هذه المرة يجب عليه الكتابة عن شخص غادره الطموح فعاد للكتابة.

الأربعاء، 17 يونيو 2015

جحجاح ٢.٠

سبحان من يحيي العظام و هي رميم. ها هي ذي مدونة جحجاح تعود لتبصر النور مرة أخرى. ولو أردنا الدقة فإن المدونة لم تمت بادئ الأمر و إن بدى عليها الموت ظاهريا. نعم عزيزي القارئ، خلف هذا الوجه الشاحب للمدونة تكمن عشرات المسودات من أنصاف الجمل و العناوين اليتيمة، أفكار موءودة و حروف مبتورة أواريها جميعا بستار "المشاغل" فتظل ساكنة مترقبة و هي ترمق زر "مشاركة" آملة أن ترى بذلك النور..
الواقع يا عزيزي القارئ أنا مدين باعتذار، ليس لك بالتأكيد فأنت حتى لم تتكلف عناء عيادة مدونتي، بل لتلك المسودات التي أطعمتها آمال الأوهام و أسقيتها الكذب و الخذلان، نعم أنا أدين لها باعتذار لكذبي عليها و لكذبي على نفسي.
عندما شرعت في هذه المدونة، كنت أدعي محقاً بأنني أكتب لنفسي، بالطبع اذا كان الهدف هو الكتابة الشخصية فما الطائل من النشر على الانترنت؟ كنت قد بينت في افتتاحية المدونة بأن السبب من وراء النشر هو حثي على تحري الجودة في الكتابة
لكنني أضحيت في كل مرة اشرع فيها بالكتابة أفكر في ردة فعل فلان على هذه الجملة، مدى رضا علان عن هذا الموضوع، ماذا لو كانت هذه النقطة غير دقيقة؟ ماذا لو بانت عيوبك؟ هل تريد حقا بان تنشر جهلك للعالم؟ هذه التساؤلات ليست سيئة بالضرورة و لكنها تصبح كذلك عندما ألح فيها. لن اعرف ردة فعل فلان الا اذا نشرت المقال، لن اعرف نواقص المقال الا عندما يقرأه أحدهم و يبين لي ذلك شاكرا. لكني ظللت أفكر و أفكر، أي أنني لم أكن أكتب لنفسي اطلاقا، بل كنت أكتب لغيري.
ماذا يعني كل هذا؟
لنبدأ بالذي (لا) يعنيه، هذا لا يعني بأني سأكتب مدونة كل أسبوع أو بشكل دوري مجدول. و لا يعني بأني سأنشر كل مسوداتي
بل يعني أنني سأرجع للهدف الأساسي للمدونة، و هو خوض تجربة الكتابة. و يعني بأنني سأحاول أن أتحاشى الدخول في دوامة الاسئلة الافتراضية و الكتابة لي لا لغيري.

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

هيوم و السببية

القسم الأول

في دهاليز الجامعة العربية قام مجموعة من العلماء العرب باستنساخ تجربة مختبر "أكمي" لإنتاج الفأرين الناطقين بينكي الغبي و برين الذكي و لكن بسبب انشغال العلماء بلعب البلوت حدث خطأ تسبب في انتاج فأر يمتلك عقل الفيلسوف ديفيد هيوم بدلا من الفأر الغبي بينكي. اكتشف العلماء خطأهم بعد فوات الأوان فقرروا تعليم الفأرين أغنية فيروز "ستي يا ستي" لتشتيت الرؤساء عن هذا الخطأ.
كانت الخطة سهلة، كل يوم يأتي عالم في الساعة السادسة صباحا و يشغل الأغنية ثم يصرخ على الفأرين "غنوا ... غنوا!" بعدها يشغل الصاعق الكهربائي على الفأرين فيصعقهم. قفص الفأرين كان مغطى بالكامل و لا يمكن للفأرين معرفة ما يحدث في الخارج كما أنهما لا يجيدان اللغة العربية و هذا ما زاد من حيرتهما.

بعد أسبوع من الصعق قال الفأر الذكي برين لهيوم: "أنا أعلم مالذي يحدث، لا يمكنني التأكد 100% لكني أعتقد بأن الصوت "غنوا .. غنوا!" يسبب هذا الألم الغريب. ألا ترى أنه في كل مرة نسمع فيها هذا الصوت ينتابنا الألم؟" لابد أنه المصدر. الفأر هيوم لم يكن متأكدا لكنه ظل صامتا فهو لم يكن يمتلك تفسيرا أفضل.

في الأسبوع الثالث صارح برين زميله في الزنزانة قائلا: أنا آسف يا صديقي لكني كنت مخطئا، من السذاجة الاعتقاد بأن "غنوا ... غنوا!" هو ما يسبب هذا الألم". تفاجأ هيوم من كلام برين و قال: "مالذي دفعك لقول ذلك؟" قال برين: "كنت أفكر في الموضوع طويلا لأنه قبل يومين انتابنا هذا الألم من دون أن نسمع "غنوا .. غنوا!" إذا لا يمكن أن يكون هو السبب لكني الآن أعرف ماهو السبب الحقيقي". نظر هيوم بفضول إلى وجه صاحبه منتظرا معرفة سر هذه الآلام. "السبب واضح يا ديفيد، لابد أن يكون السبب هو تلك التعويذة (الأغنية)، ألم تلاحظ بأنه في كل مرة تشتغل فيها التعويذة يأتينا الألم. لابد أن التعويذة تمتلك قدرة ما هي التي تجعلنا نتألم. أنا متأكد يا صديقي أننا إذا أردنا أن نوقف هذا الألم فإن علينا أيجاد طريقة لإيقاف تلك التعويذة". هز هيوم أذنيه كعلامة على عدم الاقتناع مما أثار غضب برين.


في الأسبوع الخامس تمكن برين من وضع معادلة رياضية يستطيع من خلالها أن يتنبأ بدقة كبيرة بوقت حلول الألم. "أنظر يا ديفيد، إذا لم يكن تحليلي صائبا فكيف أصبح بامكاني أن أتنبأ بالألم في كل مرة؟".


كان برين يعتقد بأن التعويذة لها قدرة على التأثير في الأقدام. فالألم يبدوا أنه يبتدئ من الأقدام ثم ينتشر في أنحاء جسمه لكنه بالمصادفة كان نائما على ظهره عندما حلت الصعقة فارتعش جسمه بشدة لكنه لاحظ شيئا. الألم لم يبتدئ من قدمه كما في كل مرة. قال لصديقه "اسمع يا هيوم! التعويذة لا تؤثر على القدم بل هي تؤثر على الجسم الملامس للأرض. ليس هذا فحسب بل لدي خطة للتغلب على هذه التعويذة"


في اليوم التالي قام برين بالاستعانة بمعادلته الرياضية لتحديد وقت الصعقة الكهربائية و قفز هو و صديقه في اللحظة التي كان من المفترض أن تأتي فيه الصعقة و كانت المفاجئة! لأول مرة منذ 7 أسابيع لم يشعرا بالألم. في اليوم التالي كررا نفس العملية و كانت النتيجة مماثلة. و في كل مرة كان يقول فيها برين لهيوم، لم أستطع فقط أن أكتشف سبب الألم ألا و هو تلك التعويذة بل إنني وجدت طريقة للتغلب عليها.

في الأسبوع الثامن جن جنون العالم و قرر حقن السجينين بمحلول يمنعهما من القفز. فقام بتشغيل أغنية فيروز ثم فتح باب القفص و هجم عليهما بإبرته، انتهز السجينان الفرصة و فرا خارجا، هيوم توجه بالسرعة لخارج المكان أما برين فتتبع صوت "التعويذة" إلى أن وجد جهاز البث و جعل يعبث فيه إلى أن توقفت الأغنية. ثم خرج تابعا صديقه.

في الساعة السادسة لليوم التالي (الوقت الذي كانا يتعرضا فيه للصعق) قال برين لصديقه: "لا تخف يا ديفيد فلقد قتلت تلك الساحرة و لن يصيبنا الألم بعد الآن" و بالفعل لم يأتيهم الألم بعد ذلك اليوم. و ظل برين يقول لصاحبه في كل يوم: "أنظر يا ديفيد لقد حددت سبب الألم ألا و هو تلك التعويذة و اكتشفت طريقة تفاديها ثم قتلت تلك الساحرة مصدر التعويذة. كيف يمكنك أن تشك في استنتاجاتي و انت ترى نتائجها العملية في كل مرة؟"

القسم الثاني

ماذا يعني كل ذلك؟
فوائد العلم جلية و لا داعي لتعداد المنافع التي تقدمها لنا العلوم الحديثة. العلم هو الذي ساعد برين للتخلص من الصعق الكهربائي و بالتأكيد سيساعد الفأران في حياتهما خارج المختبر.كما يساعدنا في كل يوم ابتداءا من لحظة انطلاق منبه الصباح و حتى الوقت الذي نطفئ فيه مصباح الغرفة لنخلد إلى النوم.


لكن هل هذا يعني بأن العلم صحيح؟ ماذا يعني أن يكون العلم صحيحا؟ أحد الآراء البارزة التي تحاول الإجابة على هذا السؤال تنص على أن العلم الصحيح هو ذاك العلم الذي يستطيع أن يفسر الظاهرة و يتنبأ بوقوعها. فقوانين نيوتن للجاذبية يمكن اعتبارها قوانين صحيحة لأنها تتمكن من تحديد مواقع الكواكب و التنبؤ بمكانها بدقة متناهية. إذا سلمنا بهذا الرأي فإن ادعاء برين بأن "الألم" سببه تعويذة تلقيها الساحرة على أرض السجن يعتبر صحيحا لأن برين قد أثبت صحة زعمه بثلاث طرق. أولا: استطاع أن يتوقع وقت الألم تماما كما يتوقع الطبيب آثار البيكتيريا الضارة. ثانيا: استطاع أن يجد طريقة لصد الألم تماما مثل ما يستطيع الطبيب انتاج لقاحات واقية. ثالثا: استطاع أن يزيل سبب الخطر (بتكسير المسجل) كما يزيل الطبيب البكتيريا بالمضادات الحيوية. فهل بامكاننا اعتبار استنتاجات برين علما صحيحا بناءا على فعاليتها؟
هذا هراء، لا يمكنك أن تقارن بين الحالتين. العلوم الطبية هي نتيجة لتجارب و دراسات متعددة و ليست مبنية على تحليلات سطحية مثل التي قام بها برين
صحيح بأن العلوم التي بين يدينا هي نتيجة تراكمات العديد من التجارب و الدراسات لكن كذلك هي ادعاءات برين. لاحظ أن برين كان يعتقد بأن التعويذة تصيب الأرجل ثم عدل رأيه -بناءا على التجربة- و قال بأن التعويذة تصيب الأرض و تنتقل بالملامسة إلى باقي أعضاء الجسم و ربما لو طال به الأمد لاكتشف أن التعويذة ماهي الا كهرباء و بأنها ليست ناتجة عن صوت آلة التسجيل بل إن سببها هو العالم الذي يشغل الصاعق و بأن الصاعق يتكون من مغناطيس و أسلاك و بأن الكهرباء تنتقي في الأسلاك و في المواد الفلزية. نعم ربما يكتشف كل ذلك لكن تظل المسألة واحدة، العلم لا يعدو على كونه تجارب فما هو الفاصل بين العلم الصحيح و العلم الخاطئ؟

هنا يأتي دور فيلسوفنا ديفيد هيوم و الذي أستميحه العذر على تسميتي الفأر على اسمه (في الحقيقة لا أعرف موقف هيوم من الفئران). الفيلسوف الاسكتلندي الذي ولد في ادنبرة في القرن الثامن عشر سيجيب بكل ثقة بأنه لا يوجد فاصل بين العلم الصحيح و العلم الخاطئ. بالنسبة لهيوم لا توجد طريقة يمكن الاستعانة بها لكي نثبت بأن الألم متسبب من تعويذة أو بأن المرض يسببه فيروس أو بأن الصعق الكهربائي يسبب الألم. الحقيقة أن هيوم يعتقد بأن العلم ليس إلا تمحيصا للتجارب و التجربة لا تستطيع أن تزعم بأن س سبب ص. أقصى ما يستطيع إدعاءه العلم هو وجود علاقة بين س و ص مثلا هناك تتابع ملاحظ بين تعريضك الانسان للصعق الكهربائي و بين شعوره بالألم لكن العلم لا يستطيع الادعاء بأن الصعق الكهربائي يسبب الألم. الصعق الكهربائي حدث و الشعور بالألم حدث آخر و إن بدى بينهما تتابع. لكن كلما تكرر تتابع الحدثان فإن الشخص الملاحظ تتكون عنده حالة ذهنية تسمى "عادة" بحيث أنه عندما يقع الحدث الأول فإن العادة تخبره بأن الحدث الثاني سيتبعه، فما يسميه الناس سببية ليس إلا عادة تكونت جراء تكرر تتابع الأشياء الملاحظ  بالتجربة، و قانون نيوتن للجاذبية ليس إلا قولبة لعادة ألا و هي بأن الأجسام الصغيرة تنجذب للأجسام الكبيرة.

مالفائدة من كل هذا؟ فسواءا اعتبرنا الأجسام الكبيرة تتسبب في جذب الأجسام الصغيرة أو بأن العادة جرت بأن الأجسام الصغيرة تنجذب للأجسام الكبيرة فإن النتيجة واحدة.

القول بأن الأجسام الكبيرة تتسبب في جذب اللأجسام الصغيرة يعني بأنه هناك قاعدة كونية تسري على جميع الأجسام في كل الأوقات. اعتراض هيوم على هذا الاستنتاج ناشئ من كون هذا الاستنتاج لم يقم حقيقة بتجربة علاقة التجاذب بين كل الأجسام الموجودة في العالم، و حتى إن تمكن بفعل قدرة خارقة و درس العلاقة بين كل الأجسام في الكون فإن هذه التجربة لا تعطيه الحق بأن يستنتج بأن علاقة التجاذب بين الأجسام ستظل هكذا في المستقبل. كما ذكرنا سابقا، كل ما يمكن استنتاجه من هذه التجربة هو تكون عادة. فلا يجب علينا أن نستغرب عندما نشاهد أجساما لا تتصرف وفق هذه العادة، و لعل خير دليل على ذلك هو ما تم اكتشافه في العقود الأخيرة في حقل الفيزياء الكمية حيث لوحظ بأن الجسيمات الدون ذرية لا تتصرف بشكل يتوافق مع ما نعرفه من قوانين الفيزياء التي تربط بين الأجسام الأخرى.  فهذه الجسيمات يبدو أنها تختفي فجأة و تتوالد من العدم بل بإمكانها أن تتواجد في مكانين مختلفين في آن واحد! هذه الجسيمات المتناهية الحجم يبدو أنها تهزأ بكل ما كان يؤمن به علماء الفيزياء و ضربت بعرض الحائط تراكمات آلاف السنين من التجارب البشرية، و قلبت الفيزياء الكلاسيكية رأسا على عقب. لم يدرك هيوم الطفرة التي حدثت في الفيزياء الكمية لكنه بالتأكيد سيكون أسعد شخص بهذا الاكتشاف، فكل ما كان يحذر منه من التمادي في ادعاء وجود أسباب عالمية يمكن اكتشافها عن طريق التجربة حدث بالفعل. ربما كان سيقول لهم "أنتم كذبتم الكذبة و صدقتموها و الآن تستعجبون لماذا الكذبة ليست حقيقة".

===============================
المراجع
مقطع من وثائقي عن الفيزياء الكمية 
http://www.youtube.com/watch?v=ieqfD2J9E3Y#t=51

للمزيد عن نقد السببية راجع:
ديفيد هيوم "تحقيق في الذهن البشري"، طباعة المنظمة العربية للترجمة.