الجمعة، 28 أبريل 2017

باب ما جاء في روبوت سكارليت جوهانسون

يقرأ في الجريدة بأن رجلا من كوريا الجنوبية صنع روبوتا آليا على صورة ممثلة شابة في هوليود. المخترع الكوري رفض أن يصرح باسم الممثلة لكن الروبوت هو نسخة كربونية من الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون. "ريكي ما" قام بتصنيع الروبوت من الصفر بعد أن أنفق خمسين ألف دولار من ماله الخاص على المشروع ليعلم نفسه و هو في منتصف الأربعينيات من العمر صناعة الروبوتات. أغلق الجريدة و سرح في خياله متسائلاً عن السبب الذي يدفع برجل أربعيني للجد في تعلم صنعة جديدة لإنتاج رجل آلي، ياله من ضياع لوقت و مال المرء!

 ما كاد ينتهي من لملمة هذا الحكم على الرجل حتى برقت في ذهنه خيوط من ذكرى قديمة تجلت بوضوح أمامه، فها هو يرى نفسه مرتديا شال التخرج من الجامعة يحدث أقرانه عن خططه و طموحاته، هو لم يكن من الذين لا يفارقون مكتبة الجامعة أو من الذين يصلون الليل بالنهار في الدراسة، في الواقع كان -كما هو الآن- لا يسعى لتحصيل أكثر من الحد الأدنى من كل شئ. مجرد الزعم بأنه في يوم ما قد أتعب نفسه ليتثن شيئا ما هو زعم لا يخلو من المبالغة لكنه حينها وبالرغم من كل شئ كان مليئا بالآمال. بإمكانه أن يرى ذلك في الطريقة التي كان ينتقي فيها عباراته، كانت محادثاته لا تخلو من ألفاظ مثل: وعي، ثقافة، نشر، سعي، اجتهاد، بحث، تكافل، شباب، خطوات، تطور ....... و غيرها من العبارات الاستنهاضية الجادة. 

هي نفس العبارات التي يسمعها الآن من نجوم شبكات التواصل الإجتماعي ممن تغمرهم روح الشباب. نعم يمكنه أن يرى ذلك جيدا لكنه لا يستطيع تحديد اللحظة التي غادرته فيها تلك الروح. هل كانت مع أول تقيم له في العمل؟ أم كانت مع أول حادث مروري لسيارته الجديدة؟ أم مع أول دفعة إيجار لمسكنه؟ أو لعلها مع أول خصلة شعر فضية في رأسه. ربما لم تكن هناك لحظة واحدة، ربما هو تتابع المشاريع التي خطط لها ثم أجهضها، أو تكرار الفشل في تقويم عادات أراد عدلها، أو ربما هو أزلية الصيانة على طريق المؤدي لمقر عمله. أو ربما لم تكن تسكنه تلك الروح أصلا و إنما هي نوستالجيا الذكريات تجمل ماضيه، أو ربما لم تفارقه الروح أصلا و لكنه و كما هي العادة فيمن استقرت بهم الحياة فإنه يبالغ في إظهار التذمر و الشكوى.

مرت هذه الخاطرة بتتابع سريع في ربع دقيقة، تذكر حينها إحدى مشاريعه التي دفنها منذ سنين، قد يكون من الجيد العودة للكتابة في هذا الوقت، الكتابة بخلاف الشطرنج و برمجة الإلكترونيات و العزف على الطبول و صناعة السيارات و غيرها من المهارات التي قرر في أوقات متافوتة تبنيها ثم ما لبث أن تبرأ منها، هي -كما كان يقنع نفسه- لا تتطلب مجهودا حقيقيا لإتقان الحد الأدنى منها. كل ما عليه فعله هو النقر على بعض أزرار لوحة المفاتيح ثم يقنع نفسه بأن هذا عمل مرض و بأنه لو ابتغى ان يتقن هذا العمل لفعل لكنه لا يريد ذلك لأنه ....... لا يوجد سبب لفعل لذلك.

 نعم ربما يجب عليه أن يعاود الكتابة و هذه المرة يجب عليه الكتابة عن شخص غادره الطموح فعاد للكتابة.