الخميس، 9 مايو 2013

معضلة إله المال

يحكى يوما أن إله العدالة (خريتيوس) مر بإله المال (زروش) فوجده في حيرة من أمره فسأله: "ما لي أراك مهموما و في خزنتك كل هذه الأموال؟" فأجاب زروش: "ما يحزنني يا خريتيوس ليس كمية الأموال في خزنتني بل كيفية توزيعها على الناس فلعلك تعينني على ذلك فأنت إله (كلاسيا) العظيم و أمين عدالتها فهلا فعلت؟" تأمل خريتيوس في وجه زروش و قال: "نعم أيها الصديق اطرح مسألتك فما من نزاع إلا و أقضي فيه بأعدل الأجوبة و أحكمها فما هي مسألتك؟" فرح زروش بجواب إله العدالة فطرح مسألته:
"اسمع يا خريتيوس، إني نظرت في كلاسيا فرأيت أصحاب العمل على صورتين: موظَف و موظِف. و إني لما أمعنت في الفرق بين الإثنين فإني رأيت الموظَف يفلق الصخور و يرعى الماشية و يراقب الزرع و يسقي الخيل و يضرب الحديد و يحارب في المعارك فهو بذلك يستهلك بدنه و فكره، و هو في شؤونه كلها يفعل ذلك لصالح الموظِف فالموظِف هو من يشتري بماله الفؤوس كي تفلق الصخور و الماشية كي تتم رعايتها و الزراعة كي تتم سقايتها و الأفران التي تحمي الحديد و العتاد للمعركة. فهو صاحب الفضل ليس فقط لأنه صاحب المال بل لإنه أيضا تحمل المخاطر المصاحبة لإنشاء العمل و ما يترتب على ذلك من مخافة ضياع الأموال." قال خريتيوس: "صحيح فلولا مال الموظِف لما كان هناك موظًف." فقاطعه زروش: "نعم لكن بالإمكان قلب العملية فتصبح لولا الموظَف لما كان لمال الموظِف أي فائدة. فالموظَف هو أساس الربح و الإنتاج. فهل فهمت سبب حيرتي يا خريتيوس؟ أجبني يا إله العدالة كيف أوزع المال بين الإثنين؟ هل يستحق الموظِف حصة أكبر لأنه أصل المال و مصدره أو الموظَف بحكم أنه من يعطي المال معناه و يقاسي في تحصيله؟"

هنا تنتهي القصة و لا تذكر جواب خريتيوس على هذه المعضلة و لنا أنا نتخيل بماذا كان سيحكم إله العدالة إذا ما عرفنا أيديلوجيته الفكرية، النظرة الرأسمالية الحقوقية ستجيب بسرعة أن المال يجب أن يكون من حق صاحب رأس المال (الموظِف) لأن المال ماله و الموظَف ليس إلا أجيرا عنده لا يمتلك أي صلاحية للتصرف في المال مهما بلغ به التعب و لو كان يشقى و يكد فملكية المال لم تنتقل إليه و إنما هو مؤتمَن عليه. المال كله للموظِف، هكذا سيكون جواب خريتيوس الرأسمالي. و الموظَف لا يمتلك إلا ما يعطيه إياه الموظِف.

أما لو كان خريتيوس اشتراكيا فإنه سيجيب بأن المال ليس ملكا للموظَف أو الموظِف بل تعود ملكيته لجميع أفراد المجتمع و بالتالي فإن السلطة المركزية هي من تمتلك حق التصرف بهذه الأموال. المال إذا يذهب لخزائن السلطة المركزية التي توزعه حسبما تقتضيه المصلحة الاجتماعية العامة. و بما أن السلطة المركزية هي الجهة التي تمتلك الأموال فإن ذلك يعني بأنها هي الوحيدة القادرة على صناعة الوظائف و بالتالي لا يكون هناك موظِف كما في النظام الرأسمالي فالموظِف هنا هو نفسه السلطة المركزية. في هذا النموذج يتضخم موقع الموظَف بصفته القوة المنتجة الحقيقية و يهمش دور الموظِف الذي تحل محله السلطة المركزية. على الرغم من أن دور العامل قد يكون أكثر مركزية في النظام الاشتراكي إلا أن ذلك لا يعطيه صلاحية التصرف بالمال فذلك يعود لتقدير الإدارة المركزية.

يُلاحظ إذاً أن النظامين الرأسمالي و الاشتراكي - و إن اختلفا في الأسلوب - فإنهما لا يعطيان العامل الصلاحية في التصرف بالأموال. و كل قرش يجنيه العامل يعود للمالك سواءا كان صاحب رأس المال أم السلطة المركزية.

كان زروش يعلم بهذه المفارقة بين النظامين لكنه لم يقتنع بأي منهما. بدا لزروش بأن العامل يمتلك حقا (أصيلا) في المال اللذي يجنيه و بأنه لا يجب أن تترك عملية تقدير راتب العامل بيد المالك. لكن من جهة أخرى، ألا يحق لصاحب المال التحكم في ماله كيفما يريد بصفته مالكا؟

تخيل مكانك في مجلس آلهة كلاسيا مرتديا عباءة العدالة الخاصة بخريتيوس، بماذا كنت ستحكم في هذه المسألة؟ بأن المال يعود بالكامل للموظِف و بأن ليس للموظَف إلا ما يرتضيه له الموظِف أم بأن الأموال بمجملها تعود للسلطة المركزية التي تبت في هذا الشأن. أم شئ غير ذلك؟